للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمشهود له غائب، فقد نص الشافعي على أنه لا يقطع في الحال، ونص على أنه لو شهد شاهدان على واحد بأنه زنى بجارية فلان (١ أنه يجب الحد ١)، فاختلف أصحابنا في المسألتين: فمنهم من نقل وخرّج، وأجرى قولين في المسألتين؛ من حيث إن السبب ارتبط فيهما بملك لم يدّعه من نسبت البينةُ الملكَ (٢) إليه، ويجوز فرض الجارية ملكاً للواطىء، كما يجوز فرض المسروق ملكاً للسارق.

ومن أصحابنا من أجرى المسألتين على ظاهرهما، وفرق بأن المسروق منه [ربما يقول لو حضر: كُنت أبحت له ذلك] (٣) (٤ ولو قرر هذا، لسقط الحد ٤)، ولو قرر مثل ذلك في الجارية، ووطْئها، لم يسقط الحدُّ، فانتظار حضور الغائب في السرقة لتوقع شبهة دارئة لا يتأتى مثلها في الجارية ووطئها.

ومما ينتظم وراء ما ذكرناه أن من وطىء جارية، ثم زعم أنها ملكُه، أو وطىء حرة، ثم زعم أنها زوجته، فقد ذكرنا أن مضمون النص في ذلك سقوط القطع في السرقة، وهذا في حد الزنا متردد: ظاهر المذهب والنص أن الدعوى العرية لا تُسقط حد الزنا بخلاف السرقة، فإن القطع في السرقة يكاد يتبع حقَّ الآدمي، فترتبط الدعوى به، بخلاف حد الزنا، ولذلك لا يسقط حد الزنا بالإباحة، وينشأ هذا الاختلاف من تردد الأصحاب في النصين المذكورين في البيّنة المقامة وصاحب الملك غائب.

ثم إذا جرينا على النص، وقلنا: لا يقطع السارق ما لم يحضر المسروق منه، فقد قال الأصحاب: يحبس السارق إلى أن يحضر المسروق منه، وهذا مشكل؛ فإن البينة قامت على مالٍ قَبْل دعواه، وحق البينة إذا قامت قبل الدعوى أن ترد في حقوق الآدميين، وهذا الآن يوضحه ترتيب فنقول: ما تمحض حقاً لله تعالى، فشهادة الحسبة فيه مقبولة، وما تمحض حقاً للآدمي، فالمذهب أن شهادة الحسبة فيه مردودة، وفيه قول حكيناه وأجريناه في باب الشهادة على الجناية، ووعدنا استقصاءه


(١) ما بين القوسين ساقط من (ت ٤).
(٢) ت ٤: " بينةُ الملكِ ".
(٣) عبارة الأصل: " إنما يعول: لو حضرت، أبحت له ذلك " والمثبت من (ت ٤).
(٤) ما بين القوسين سقط من (ت ٤).