وإِذا لم نحكم ببطلان الأذان، فالمؤذن يبني على بقية أذانهِ، ويأتي بها، وهل يبنى غيرهُ عليه؟ فعلى هذا القول قولان، فإِنَّ صدور الأذان من رجلين غاية في جرّ اللبس ومدافعةِ مقصود الأذَان.
٦٩١ - ولو أذن مؤذن وأَقام غيره، فالذي قطع به الأئمة أن ذلك جائز، وذَكر بعض المصنفين (١) فيه خلافاً، وزعم أنه مبني على أنه لو خَطب رجل يوم الجمعة، وصلى غيره، فهل يجوز ذلك أم لا؟ وهذا بعيد، وتلقِّي الأذان من الخطبتين غير سديد.
٦٩٢ - ومن تمام القول في ذلك أنه لو تكلم المؤذن ولم يُطوّل ورفع صوته بحيث أسمع من أسمعه الأذانَ، فالذي يقتضيه كلام الأئمة أنه غير ضارٍّ، ولا ينقطع الأذان به، وكان شيخي يتردد في هذا، من جهة أن الكلام يُلبِّسُ على السامعين أمرَ الأذَانِ، كما يتخبط عليهم الأذان بالسكوت الطويل.
٦٩٣ - ولو ارتدَّ المؤذن، ففيه اختلاف نصوص، وتصرف الأصحاب بالنقل والتخريج. وحاصل القول فيه. أنه إِذا أتى ببقية الأذان مع الردةِ، لم يعتد به، كما سيأتي بعد ذلك القولُ في أذان الكافر. وإِن عاد إِلى الإِسلام على قرب من الزمان من غير أن ينقطع الولاء، ففي المسألة قولان: أحدهما -وهو الأصح- أن الأذان معتدّ به؛ لأن الأذان ليس مفتقراً إِلى نيّة هي رابطته، حتى يُقضى بانقطاعها بطريان الردة.
ومن أبطل الأذان ومنع البناءَ عليه، استدل بأن الردة من المحبِطات، فالأذان لو صدر من المرتد، لم يعتد به، وإِن كانت النية غير مرعية فيه، فينبغي أن يحبِط ما مضى بطريانها.
ولو طال الزمان، ثم عاد إِلى الإِسلام، ولم يأتِ في زمان الردة بشيء من كَلِم
(١) ترى هل يقصد إِمام الحرمين بقوله: (بعض المصنفين) الإِمام الماوردي؟؟ أكاد أجزم بذلك، فقد ذكر الماوردي بمثل هذا الأسلوب، بل أشدّ في كتاب الغياثي: انظر الفقرات: ٢٠٩، ٢٣٢، ٢٣٣، ٣٠٣. والله أعلم. بعد أن كتبت هذا ثبت عندي أنه لا يقصد الماوردي، بل أبا القاسم الفوراني، كما سيأتي إِن شاء الله. (ولم أشأ أن أحذف ما قدّرتُه أولاً).