١١٣٩٣ - فإن قلنا: الأموال والأروش مصروفة إلى مصارف الفيء، فلا كلام.
وإن قلنا: هي مصروفة إلى الورثة، ففي طريق الصرف إلى الورثة تردد عندي، يجوز أن يقال: لا يصرف إليهم إرثاً، وإنما يصرف من حيث لا يؤخذ منهم، فالمال في أمانٍ غير منحلّ. وهذا يناظر ما إذا قلنا: من مات وبعضه حر وبعضه رقيق، فالأموال التي خلصت له بسبب الحرية مصروفة إلى مالك الرق في بعضه، وليس هذا توريثاً، وإنما هو صرف مال إلى أخص الجهات، حيث يعسر إجراء قوانين الميراث، ولذلك أقمنا السيد مقام العبد المقذوف بعد موته في طلب التعزير، وليس هذا من التوريث، ولكنه استمساك بأخص الطرق.
ولو استدّ نظر الناظر، استبان له أن التوريث بابٌ من التخصيص أيضاً؛ فإن الأموال إذا زال عنها مالكها المختص، ولا سبيل إلى تعطيلها، فالوجه إقامة من يختص بالميت مقامه في نسب أو بسبب كما تقتضيه قواعد الفرائض، هذا مسلكٌ.
ويجوز أن يقال: هذا توريث. وقد صرح بذلك النص، وأطلقه الأصحاب، ثم على هذا تردد سيأتي شرحنا عليه، إن شاء الله تعالى.
فإن قلنا: ليس ما ذكرناه توريثاً، فلا محاشاة من المصير إلى أن المال يصرف إلى الأخصِّين يوم الموت، وإن قلنا: هذا توريث، فينقدح فيه وجهان: أحدهما - أن نقول: نتبين استناد استحقاق الورثة إلى ما قبل جريان الرق، فإن قيل: هذا توريث من حيٍّ. قلنا: هو كذلك. والعبارة القريبة من النظم أن نقول: هذا توريث يناظر مسألةً ذكرناها في الجراح، وهي أن من قطع يد مسلم ثم ارتد المجني عليه ومات مرتدّاً، فقد قال الشافعي: لوليه المسلم القصاصُ في الطرف، فهذا في التحقيق خلافةٌ أثبتها بين المسلم وبين المجني عليه لمّا كان مسلماً، فإنه لو اعتبر حالة الممات، لكان مورِّثاً مسلماً من كافر، ولا يرث المسلم المرتد عندنا.
والذي يحقق ما ذكرناه أن من استُرق ومات، فقد زالت أملاكه بالرق، كما يزول ملك الحي بالموت، فكان الرق المتقدم على موته في معنى الموت، فأثبتنا الخلافة متصلة بمُزيل الملك، وإن لم تكن متصلة بالموت نفسه.