للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوماً، فالجنون، والإفاقة متعاقبان] (١)، ثم لا نظر إلى زيادة زمان الإفاقة، فلو كان يُفيق يومين أو ثلاثة ويجن يوماً، فلا حكم [للإفاقة] (٢). فأما إذا كان يجن في الشهر يوماً واحداً، فلا يقال: الجنون والإفاقة متعاقبان (٣)، ولكن الجنون في حكم العارض يعرض، والحكم للإفاقة.

وهذا الذي ذكره من التفصيل لا بد منه، ولكنه كلامٌ غير منضبط، واضطرابه يدلّ على فساد أصله. ثم الممكن في التقريب أن يقال: إذا كان يجن يوماً ويُفيق يومين، فالإفاقة في اليومين غير موثوقٍ بها، وهو فيها بمثابة مجنون يغتلم (٤) يوماً ويهيج، ويسكن ما به يوماً أو يومين، وللمجنون تارات قد يهداً ويسكن، وقد يغتلم ويتعدّى حدّ الاعتدال، فالوجه أن نقول: إذا كان زمان الإفاقة بحيث [يقع] (٥) فيها آثار الجنون، فهو ملحق بالجنون، وإن طال بحيث لا يتوقع فيه آثار الجنون، فيجوز أن يقال: الحكم للإفاقة. وهذا في التحقيق تمسك بالغلبة، وقد ذكرنا عن بعض الأصحاب وجهاً: أنا ننظر إلى أغلب الزمانين، ولكن بين الوجهين فرق؛ فإن ما حكيناه في أثناء الأوجه المرادُ به أن يكون أحد الزمانين أكثر ولو بلحظة. وما ذكرنا آخراً، فالمراد به ما بيناه. والفرق بين الوجهين ظاهر لمن تأملهما.

وقد ذكرنا فيما ذكرنا وجهين متضادين: أحدهما - أن الجنون بين الإفاقتين كالغشية، والآخر أن الإفاقة بين جنونين كهدوء مجنون على اغتلامه. ولا بد من


(١) ما بين المعقفين زيادة من (هـ ٤).
(٢) في النسختين: الجنون، والمثبت من المحقق رعاية للسياق، فالمعنى أن التعاقب بين الجنون والإفاقة يغلب حكم الجنون أياً كانت أيام الإفاقة ونسبتها.
(٣) لمزيد من الإيضاح ننقل هنا كلام الإمام الغزالي، الذي عبر به حاكياً كلام الشيخ أبي علي هذا، فقد قال: " قال الشيخ أبو علي: لا جزية عليه أصلاً، كمن نصفه حر، ونصفه رقيق، لأن الجنون يمنع الجزية كالرق، وقال: هذا فيه إذا كان الجنون والإفاقة يتعاقبان، فأما إذا كان يجن يوماً، ويفيق تسعة وعشرين يوماً، فلا تعاقب، والحكمُ للعقل، والجنون عارض " (ر. البسيط: ٥/ورقة: ١٧٥ شمال).
(٤) يغتلم: أي يهيج ويشتد، والاغتلام أكثر ما يستعمل في شدة الشهوة للجماع، ويستعمل في الهيجان والثورة عامة، ومنه اغتلم البحر، إذا ثارت أمواجه وهاجت مياهه (المعجم).
(٥) في (هـ ٤): " يتوقع ".