للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفصيل في الوجهين جميعاً، أما تفصيل إلحاق زمان الإفاقة بالجنون، فقد قدّمناه، وأما إلحاق الجنون بالغشية، فبعيدٌ جدّاً إذا طال الزمان وتمادى بحيث تُخاف بوادره في زمان الإفاقة.

وإن كان زمان الإفاقة نقياً من بوادر [الجنون] (١) وتوقعها، فلست أرى الجنون غَشْيةً مع هذا إلا أن يكون على حدٍّ يمكن تقريبه من طريق التشبيه من اغتلام الرجل الصفراوي في هيج النفس وثوران الغضب، فإن لم يكن كذلك وكان جنوناً محققاً، فلا وجه لهذا الوجه.

هذا بيان ما يكاد يعضل. وأَقْصَد هذه الوجوه تلفيق أيام الإفاقة، واعتبار آخر الحول.

فإن قيل: لو كان مجنوناً في جميع السنة إلا في اليوم الأخير، فيبعد إيجاب الجزية. قلنا: هذا مجازفة في التصوير، فإن من يجن سنة ثم حسب مفيقاً في يوم، ثم طبق عليه الجنون في سنة مستقبلة، فليس في وضع الجبلّة تحقُّقُ الإفاقة في مثل هذا اليوم، وإنما يتصوّر هذا إذا اطردت الإفاقة في السنة المستقبلة، فيحتمل الجنون فيما تقدم.

١١٤٥٦ - فإن قيل: هذا التردد الذي ذكرتموه في الجزية هل تطردونه في سائر الأحكام التي يؤثر الجنون والإفاقة فيها؟ قلنا: لا يجري في سائر الأحكام اعتبار آخر الحول ولا التلفيق، وإنما تغليب الجنون، أو تغليب الإفاقة، أو تخصيص الجنون في زمانه بحكمه، وتخصيص الإفاقة في زمانها بحكمها.

فإن قيل: إذا كان يجن يوماً، ويُفيق يوماً، فوقع في الأسر مثل هذا الشخص، فهل تقولون: إنه يُرقّ؟ قلنا: إن غلبنا الجنون، رُق، وإن غلبنا الإفاقة، لم يرق، ويتجه أن يعتبر يومُ السبي، وأما قبله وقد تحقق أنه [كان] (٢) يجن ويُفيق، فإن غلبنا الجنون، لم يقتل، وإن غلبنا الإفاقة على التفصيل المقدم، فالظاهر الحقن، وقد


(١) في الأصل: الحيوان. مع تأكيدها بوضع علامة الإهمال تحت (الحاء).
(٢) زيادة من (هـ ٤).