ومعتمد العراقيين أن كل ما يُنقض العهد به وجهاً واحداً، فلا بدّ من ذكره، وسنبين أن امتناعهم عن بذل الجزية، وعن جريان أحكامنا عليهم يوجب نقض عهدهم.
ثم استتم العراقيون التفريعَ على ما ذكرناه، وقالوا: يجب ذكر الجزية والاستسلام للأحكام وجهاً واحداً.
وهل يجب أن يذكر في الذمة ألا يتعرضوا للأنبياء بذكر السوء؟ ذكروا وجهين في اشتراط ذلك: أحدهما - أنه يشترط ذكر هذا؛ إذ بهذا تحصل المكافّة، وترك التعرّض منهم لنا، ومنّا لهم. والوجه الثاني - أن ذلك لا يشترط؛ فإنا إذا ذكرنا استسلامهم لأحكامنا، كفى ذلك، ومن أحكامنا أن نمنعهم عن التعرض، حتى إن تعرّضوا سيأتي حكم الإسلام فيه، إن شاء الله تعالى.
هذا بيان عقد الذمة.
ثم للأصحاب تردّدٌ في أن الذمة المؤقتة هل تنعقد؟ وسنذكر هذا في باب المهادنة، إن شاء الله تعالى عند ذكرنا وجوب التأقيت فيها، وعندها نذكر أن الذمة هل تنقضي باستشعار الخوف قبل تحققه، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
١١٤٦٠ - فأما النوع الآخر الذي نريد ذكره، وهو أن الأصحاب أطلقوا أن أحكامنا جارية عليهم، وقد قدّمنا غير مرة اختلاف القول في أنهم إذا جاؤونا راضين بأحكامنا، فهل يلزمنا أن نحكم بينهم؟ فعلى قولين، فكيف سبيل الجمع بين هذا، وبين إطلاقنا القول بأن أحكامنا تجرى عليهم؟
قال العراقيون في ذلك: المراد بإجراء الأحكام عليهم أنهم إذا فعلوا ما هو محظورٌ في دينهم، وكانوا لا يستحلّونه، فيجري حكم الله عليهم، إذا كان لا يتعلّق بالدعوى، وهذا بمثابة ما لو زنى واحد منهم، وثبت زناه عند حاكم المسلمين؛ فإنه يقيم على الزاني حدّ الله تعالى، ولا حاجة إلى رضاه بحكمنا، وارتفاعه إلى مجلسنا، بل إذا شهد على زناه أربعة من عدول المسلمين، أقمنا الحد، وهذا الذي ذكروه حسن، ولم أر في طريق المراوزة ما يخالف هذا، وهو متجه.
فأما ما يستحلّونه، فهو منقسم إلى الخمر، وغيره، فأما إذا شرب الخمرَ واحدٌ