١١٤٦١ - ومما نذكره قبل الخوض، في نواقض العهود، أنا إذا عقدنا الذمة، التزمنا لهم كفَّ الأذى عنهم، وعدَم التعرض لهم فيما يرونه بين أظهرهم -ما أخفَوْها (١) - فلا نريق خمورهم ولا نقتل خنازيرهم، ولا نتعرض لبياعاتهم ومناكحاتهم فيما بين أظهرهم.
وهل يجب علينا أن نذب الكفار عنهم؟ يعني أهل الحرب؟ فإن كانوا في بلاد الإسلام؛ فإنا نضطر إلى الذب من غير قصدٍ ينصرف إليهم؛ فإنه يتعين علينا حمايةَ بلاد الإسلام عن طروق الكفار، وإذا نحن فعلنا هذا، فيحصل به الذب عنهم لا محالة.
ولو كان الذمي في دار الحرب لكنه التزم الجزية، وعقدنا له الذمة، فيستحيل أن نلتزم ذب الكفار عنهم؛ فإن هذا مما لا يحيط به الاستطاعة، والإطاقة.
ولو كان أهل الذمة في بلدةٍ متاخمة لبلاد الإسلام من جهةٍ، ولبلاد الكفار من جهة، وكان ذب الكفار عنهم ممكناً، فهل نلتزم ذلك لهم بمطلق الذمة؟ فعلى وجهين: أحدهما - لا نلتزم ذلك؛ فإن الغرض بعقد الذمة أن يأمنونا ويؤمِّنونا، فإذا كفيناهم بوادر أجنادنا، وكففنا الأيدي عنهم، كفاهم ذلك، والدليل عليه أنهم لا يلتزمون، الذبَّ عنا إذا تغشانا جمعٌ من الكفار، ونحن لا نلتزم لهم ما لا يلتزمونه لنا.
والوجه الثاني - أنه يجب علينا الذب عنهم إذا تمكنا منهم؛ فإنا بالذمة التزمنا أن نُلحقهم في العصمة والصون بأهل الإسلام، فيجب علينا أن نذب عنهم كما نذب عن أهل الإسلام، وهذا مشهور في الحكاية، والأقيس الوجه الأول.
وما ذكرناه فيه إذا أطلقنا الذمة، ولم نتعرّض لالتزام الذب عنهم، فإن قلنا: لا يلزمنا الذب بحكم الذمة، فلو اشترطنا ذلك، والتزمناه، فالرأي أنه لا يلزمنا الوفاء؛ فإن ما لا يلزم بقضية الذمة، لا يلزم بالاشتراط؛ وفي كلام الأصحاب ما يشير إلى أن الذب يلزم بالالتزام.