للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا قلنا: مطلق الذمة يقتضي الذب، فلو شرطنا ألا نذب عنهم في محل الوجهين، ونكتفي بالانكفاف عنهم، فالظاهر أن الشرط يثبت، ولا يلزم الذب، وإن كان يلزم في الذمة المطلقة. ومن أصحابنا من أفسد هذا الشرط. ثم في فساد الذمة بالشرائط الفاسدة، كلام سيأتي الشرح عليها في باب المهادنة، إن شاء الله تعالى.

١١٤٦٢ - وقد حان أن نخوض بعد ذلك في نواقض العهود. وتمهيد الكلام يقتضي رسمَ ثلاث درجات، هكذا رتبه الأئمة: المرتبة الأولى: ما يوجب نقض العهد من غير أن يفرض فيه شرط، ثم ذكر الأكثرون في هذا القسم ثلاثة أشياء: أحدها - منع الجزية. والثاني - الامتناع من إجراء الأحكام. والثالث - نصب القتال.

وقضَوْا بأن هذه الخلال الثلاث عماد الذمة، وتركُها نقضُ عقد الذمة.

وفي هذا أدنى تدبّر: أما القتال على ما نعهده من أهل الحرب، فهو مناقضة للذمة؛ فإن الغرض الأظهر منها الأمان المؤبد، فإذا قاتلونا، فقد تركوا موجَب العهد.

فأما منع بذل الجزية والامتناع عن جريان الأحكام، فقد أطلقها الأصحاب، ولم يأتوا فيها بالبيان الشافي، ومطلق ما ذكروه يدل على أن واحداً من أهل الذمة إذا سوّف، ومطل، وامتنع عن تأدية الجزية لما طولب بها مع القدرة على أدائها، فيكون ذلك نقضاً منه، وشرطوا في هذا التمكن من الأداء، فلو اعتراه عجز وأحوجه إلى استمهال في مدة قريبة، فما أرى الأصحاب يقضون بانتقاض العهد والحالة هذه. فأما المطل المحقق، والمدافعة من غير عذر، ففيها قالوا بانتقاض العهد، وليس يبعد أن يقال: امتناع الذمي عن أداء الجزية، ويد القهر ممتدة إليه لا يوجب نقضَ عهده، ولكنا نستأدي منه الجزية قهراً، ويكون امتناعه عن أدائها بمثابة امتناعه عن ديونٍ توجهت عليه للمسلمين، وهذا متجه.

وما ذكره الأصحاب حسن بالغ، لأن الجزية عوض ترك القتال، وهو [في حكم] (١) ما يتجدد حالاً على حال، فيجوز أن يقال: امتناع المقتدر عليها حطّ منه


(١) زيادة من (هـ ٤).