للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو أصبح الصبي صائماً في يوم من رمضان، فبلغ في أثنائه، فقد وافق أبو حنيفة (١) والمزني أصحابنا في أنه لا يجب قضاء ذلك اليوم.

واعتلَّ أبو حنيفة بأن الصوم لا يجب في هذا اليوم بسبب طريان البلوغ؛ فإن بقية اليوم لا يسع صوم يوم، ولا يتصور إيقاع بعض اليوم في الليل.

وأئمتنا قالوا: لا يلزم القضاء، واختلفوا في العلّة، فمنهم من علل بما ذكرته، ومنهم من قال: سبب سقوط القضاء وقوعُ صوم هذا اليوم عن الفرض؛ قياساً على ما لو بلغ الصبي في أثناء صلاة الظهر، ويظهر أثر هذا التردّد فيه إذا بلغ الصبي مفطراً في يومه، فمن أصحابنا من قال: لا يجب قضاء هذا اليوم؛ فإن البلوغ طرأ عليه، ومنهم من قال: يجب القضاء؛ فإنه لم يقع فيه صوم، وقد صار مكلفاً فيه.

وقرّبوا هذا الخلاف من القولين فيه إذا قال: لله عليَّ أن أصوم يوم [يقدم] (٢) فلان فيه، فقدِم نصفَ النهار، فهل يجب على الناذر قضاءُ يوم؟ فيه القولان المشهوران، على ما سيأتي ذكرهما.

ثم ذكر ابن الحداد: أن الصبي إذا صلى يوم الجمعة صلاة الظهر، ثم بلغ -والجمعة لم تفت بعدُ- فعليه أن يقيم صلاة الجمعة، وليس كما لو صلى العبد الظهر، ثم عَتَق، والجمعة بعدُ غير فائتة، فإنه لا يلزمه الجمعة، وكذلك المسافر إذا صلى الظهر، ثم نوى الإقامة والجمعة غير فائتة، وفرق بأن الصبي لم يكن من أهل الفرض، والعبد والمسافر كانا من أهل الفرض، لما صلّيا الظهر.

وقد صار معظم الأئمة إلى تغليطه، ونسبته إلى الوقوع في مذهب أبي حنيفة؛ فإن مذهب الشافعي أن الصبي إذا صلى صلاة الظهر في أول الوقت في غير يوم الجمعة، ثم بلغ في الوقت، فلا إعادة عليه، وإن لم يكن الصبي مكلفاً لما صلى الظهر، فهذا منتهى كلام القفال (٣) وأصحابه.


(١) ر. الأصل: ٢/ ٢٣٣، ٢٣٥، مختصر اختلاف العلماء: ٢/ ١٥ مسألة ٤٩٨. والمبسوط: ٣/ ٨٨.
(٢) الأصل، (ت ٢)، (ط) "يقوم فلان فيه" والمثبت من (ت ١).
(٣) إشارة إلى ما نسبه آنفاً إلى (القفاليين).