للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النيّة؛ فإن الوفاء بذلك عسرٌ، ثم شَرَطَ ألاّ يأتي بما يناقض جزمَ النيّة، وإن لم يشترط إدامة ذكر ما جزمه. والتردّد يناقض الجزم. وهذا بمثابة الإيمان، فإنا نكلف المرء أن يطلب عقداً مستمرّاً على السداد، ثم لا نكلّفه استدامتَه، بل يطَّردُ عليه حكم الإيمان، غير أنّا نشترط ألا يتشكّك عقدُه.

ثم من الأسرار التي يتعين الوقوف عليها أن الموَسوس قد يجري في نفسه التردّد، وليس هو التردد الذي حكمنا بكونه قاطعاً مبطلاً، ولكن الإنسان قد يصور في نفسه تقدير التردد لو كان كيف كان يكون، وذلك من الفكر والهواجس، ولو أبطل الصلاة، لما سلِمت صلاةُ مفكر موسوس. والتردد الذي عنيناه هو أن ينشىء الإنسان التردّدَ في الخروج على تحقيقٍ، من غير تقدير، وتكلف تصوير، وقد يطرأ على نفس المبتلَى بالوسواس تقدير الشرك بالله، مع ركونه إلى استقرار المعتقد، ولا مبالاة به. والعاقل يفصل بين هذه الحالة، وبين أن يعدَم اليقين، ويصادف الشك.

٧٨٦ - ومما يتعلق بحكم الصلاة في ذلك أن المصلي لو نوى في الركعة الأولى جَزْمَ الخروج في الركعة الثانية، فهو يخرج عن الصلاة في الحال؛ فإنه قطع موجب النية؛ إذ موجبها الاستمرار إلى انتهاء الصلاة، وقد نجز في الحال قطعُ مقتضاها في ذلك.

ولو علق نيّة الخروج على أمر يجوز أن يُفرض طريانه، ويجوز ألا يفرض -مثل أن ينوي الخروج لو دخل فلان- فهل يقتضي بطلانَ الصلاة أم لا؟ وجهان مشهوران، أقْيَسُهما: بطلانُ الصلاة؛ فإن الذي جاء به تردّد فيها يخالف موجب النيّة، ويناقض مقتضى استمرارها.

والوجه الثاني: أن الصلاة لا تبطل؛ فإنه لا يمتنع ألا يدخلَ مَن ذكره، وتتم الصلاة على مقتضى ما أحدثه من التردد، وهذا غير سديد.

فإن حكمنا ببطلان الصلاة في الحال، فلا كلام. وإن حكمنا بأن الصلاة لا تبطل في الحال، فلو وجدت الصفة التي علق الخروج عليها، وكان ذاهلاً عما قدّمه من تعليق النيّة، فهذا فيه احتمال. وحفظي عن الإمام (١) أن الصلاة لا تبطل، وإن حدثت


(١) المراد والده.