للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عبد الأعلى بن حماد النرسي، قال: قال الرشيد يوماً للفضل بن الربيع وهو واقف على رأسه: يا فضل، أين هذا الحجازي؟ ـ كالمغضب ـ فقلت: ها هنا، فقال: علي به، فخرجت وبي من الغم والحزن لمحبتي للشافعي لفصاحته وبراعته وعقله، فجئت إلى بابه فأمرت من دق عليه، وكان قائماً يصلي فتنحنح، فوقفت حتى فرغ من صلاته وفتح الباب، فقلت: أجب أمير المؤمنين، فقال: سمعاً وطاعة. وجدد الوضوء وارتدى وخرج يمشي حتى انتهينا إلى الدار، فمن شفقتي عليه قلت: يا أبا عبد الله قف حتى أستأذن لك، فدخلت على أمير المؤمنين فإذا هو على حالته كالمغضب، وقال: أين الحجازي فقلت: عند السير، فجئت إليه، فقام يمضي رويداً ويحرك شفتيه، فلما بصر به أمير المؤمنين قام إليه فاستقبله وقبل بين عينيه، وهش وبش وقال: لم لا تزورنا أو تكون عندنا؟ فأجلسه وتحدثا ساعة، ثم أمر له ببدرة دنانير، فقال: لا أرب لي فيه، قال الفضل: فأومات إليه فسكت، وأمرني أمير المؤمنين أن رده إلى منزله، فخرجت والبدرة تحمل معه، فجعل ينفقها يمنة ويسرة حتى رجع إلى منزله وما معه دينار، فلما دخل منزله قلت: قد عرفت محبتي لك، فبالذي سكن غضب أمير المؤمنين عنك إلا ما علمتني ما كنت تقول في دخولك معي عليه فقال: حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ يوم الأحزاب: (شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلََهَ إِلاّ هُوَ) إلى قوله: (إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران ١٨، ١٩]. ثم قال: وأنا اشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة، وديعة لي عند الله يؤديها إلى يوم القيامة، اللهم إني أعوذ بنور قدسك وعظيم بركتك وعظمة طهارتك، من كل آفة وعاهة، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير، اللهم أنت غياثي بك أستغيث، وأنت ملاذي بك ألوذ وأنت عياذي بك أعوذ، يا من ذلت له رقاب الجبابرة، وخضعت له أعناق الفراعنة، أعوذ بك من خزيك، ومن كشف سترك، ونسيان ذكرك، والانصراف عن شكرك، أنا في حرزك ليلي ونهاري، ونومي وقراري، وظعني وأسفاري، وحياتي ومماتي، ذكرك شعاري، وثناؤك دثاري، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك تشريفاً لعظمتك، وتكريماً لسبحات وجهك، أجرني من خزيك ومن شر عبادك، واضرب علي سرادقات حفظك، وأدخلني في حفظ عنايتك، وجد علي منك بخير يا أرحم الراحمين. قال عبد الأعلى: قال الفضل: فحفظته فلم يغضب على الرشيد بعد ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>