للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا أول بركة الشافعي.

(١٢) قوله في آداب الصحبة ومعاشرة الخلق:

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي ذات يوم: يا يونس إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادر بالعداوة وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن ألقه وقل له: بلغني عنك كذا وكذا، وأجدر أن تسمى المبلغ، فإن أنكر ذلك فقل له: أنت أصدق وأبر، ولا تزيدن على ذلك شيئاً. وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر فاقبل منه، وإن لم يرد ذلك فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر فاقبله، وإن لم يذكر لذلك وجها لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها. ثم أنت في ذلك بالخيار، إن شئت كافئه بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أبلغ للتقوى وأبلغ في الكرم، لقول الله تعالى: (وَجَزَآءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ) [الشورى: ٤٠]. فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف لهذه السيئة، فإن ذلك الظلم بعينه وقد كان الرجل الصالح يقول: رحم الله من كافأني على إساءتي من غير أن يزيد ولا يبخس حقاً لي. يا يونس، إذا كان لك صديق فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل. وقد كان الرجل الصالح يشبه سهولة مفارقة الصديق بصبي يطرح في البئر حجراً عظيماً فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على الرجال البرك فهذه وصيتي لك. والسلام.

(١٣) جود الشافعي وسخاؤه رحمه الله:

لقد ضرب الشافعي رحمه الله أروع المثل في الجود والسخاء فقد بلغ فيه غاية جعلته علماً عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه، وهاك بعض الآثار الدالة على ذلك.

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الحميدي يقول: قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل فضرب خباءه في موضع خارجاً من مكة فكان الناس يأتونه فيه فما برح حتى وهب كلها.

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الربيع قال: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال: يا ربيع أعطه أربعة دنانير واعذرني عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>