[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن اكثم قال: قال لنا المأمون لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين ومن يزيد حتى يتقي فقال ويحك إني أخاف إن أظهرته فيرد علي يختلف الناس وتكون فتنة وأنا اكره الفتنة فقال الرجل فأنا أخبر ذلك منه قال له نعم فخرج إلى واسط فجاء إلى يزيد وقال يا أبا خالد إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك إني أريد أن أظهر خلق القران فقال كذبت على أمير المؤمنين أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه فان كنت صادقا فاقعد فإذا اجتمع الناس في المجلس فقل، قال فلما أن كان الغد اجتمعوا فقام فقال كمقالته فقال يزيد كذبت على أمير المؤمنين إنه لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه وما لم يقل به احد قال فقدم وقال يا أمير المؤمنين كنت أعلم وقص عليه قال ويحك يلعب بك.
دخلنا على إسحاق بن إبراهيم للمحنة قرأ علينا كتاب الذي صار إلى طرسوس يعني المأمون فكان فيما قرئ علينا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى: ١١] و (هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ)[الأنعام: ١٠٢] فقلت (وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: ١١] قال صالح ثم امتحن القوم ووجه بمن امتنع إلى الحبس فأجاب القوم جميعا غير أربعة أبي ومحمد بن نوح والقواريري والحسن بن حماد سجادة ثم أجاب هذان وبقي أبي ومحمد في الحبس أياما ثم جاء كتاب من طرسوس بحملهما مقيدين زميلين.
ثبات قلب أحمد بن حنبل على الحق ورباطة جأشه:
يقف الإمام أحمد بين يدي الخليفة المعتصم ثابت الجنان قوي الإيمان، وقد ازدحم الناس ليشاهدوا مشهدا رهيبا؛ فهذا الخليفة وحوله جنوده، وهذا أحمد في قيوده، الأول سلاحه البطش والجبروت، والثاني سلاحه القرآن والسنة يستعذب العذاب في سبيل الله، ويسأله وحده العفو والمغفرة، ويرجوه رضاه ورضوانه يجلس الخليفة على كرسيه، ويقف الإمام أحمد بين يديه والسيوف قد جردت، والرماح قد ركزت، والأتراس قد نصبت، والسياط قد طرحت، يريدون إرهابه وهو قد باع نفسه لربه، وبكل ما يصنعون وأكثر لا يأبه.
يرد على الخليفة بالبرهان الساطع والدليل القاطع، ويعجز الخليفة في ترغيبه أو ترهيبه ليقول بكلام المعتزلة القرآن مخلوق والعياذ بالله، ويحضر المعتصم له الفقهاء والقضاة فيناظرونه بحضرته ثلاثة أيام، وهو يناظرهم ويقهرهم، فيقول ابن أبي دؤاد وبشر المريسي للخليفة: اقتله حتى نستريح منه.