ولكن المعتصم يقيم مباراة بين الجلادين لقتله بالسياط الموجعة، ويحدثونه في الرجوع عن إصراره، ولكنه يقول لهم في صلابة: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله أقول به.
ويستمر الضرب وتزداد شدته، حتى يقع الإمام أحمد - رحمه الله - على الأرض في غيبوبة، لا يدري ما يفعلون به.
وعندما عادت لأحمد ذاكرته، تقدم إليه ابن أبي دؤاد، وقال له: يا أحمد قل في أذني القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة؛ فقال له الإمام أحمد: يا بن أبي دؤاد قل في أذني القرآن كلام الله وليس بمخلوق حتى أخلصك من عذاب الله عز وجل، فقال المعتصم: أدخلوه إلى الحبس، فحمل إلى الحبس وانصرف الناس
وهكذا واجه الإمام أحمد بن حنبل المحنة في صبر جميل وشجاعة نادرة، يقول أحد جلاديه:"ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدمته"
وينتصر الدين بصاحب العقيدة القوية، ويتحمله في سبيل نصرة دين الله على كل بلية، وترفع راية الإسلام عالية ويندحر أصحاب البدعة والضلالة.
ويصفح الإمام أحمد رضوان الله عليه عن المعتصم، راجيا غفران ربه، وحسن ثوابه، مستجيبا لأوامره؛ (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)[النور: ٢٢]، ولقوله عز وجل:(فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشورى: ٤٠]
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن أبي اسامة قال: حكي لنا أن أحمد قيل له أيام المحنة يا أبا عبد الله أولا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل قال كلا إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة وقلوبنا بعد لازمة للحق.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي جعفر الأنباري قال: لما حُمِلَ أحمد إلى المأمون أخبرت فعبرت الفرات فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه فقال يا أبا جعفر تعنيت فقلت يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت لابد من الموت فاتق الله ولا تجب فجعل أحمد يبكي ويقول ما شاء الله ثم قال يا أبا جعفر أعد علي فأعدت عليه وهو يقول ما شاء الله.