كيف تكتحل عينك بنوم حتى ترى حالك بعد اليوم، وكيف تبيتُ وأنت مسرور وأنت لا تعلم عاقبة الأمور.، الموت لا ريب فيه، ويقين لا شك فيه وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:١٩]، فمن يجادل في الموت وسكرته؟! ومن يخاصم في القبر وضمته؟! ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته؟ لكل واحد منا مع الموت موعدًا مضروبًا، وأجلاً معدودًا، ووقتًا محسوبًا، وأنه إذا جاء فلا محيد عنه ولا محيص منه قال تعالى:! فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:٣٤]
وقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: ١٠، ١١].
فمهما عاش الإنسان في هذه الحياة ومهما طال به البقاء بها، ومهما استمتع بشهواتها وملذاتها، فإن المصير واحد والنهاية محتومة، ولابد لكل إنسان من نهاية، وهذه النهاية هي الموت الذي لا مفر منه، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:١٨٥]
(ولله درُ من قال:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آله حدباء محمول
إنه لابد من يوم ترجع فيه الخلائق إلى الله جل وعلا ليحاسبهم على ما عملوا في هذه الدنيا، قال تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ [البقرة:٢٨١]، يومٌ طالما نسيناه، يوم هو آخر الأيام، يوم تغص فيه الحناجر، فلا يوم بعده ولا يوم مثله، إنه اليوم العظيم يوم كتبه الله على كل صغير وكبير، وكل جليل وحقير، إنه اليوم المشهود واللقاء الموعود.
ثم إنه قبل هذا اليوم لحظة ينتقل فيها الإنسان من دار الغرور إلى دار السرور، كلٌ بحسب عمله، تلك اللحظة التي يلقي فيها الإنسان آخر النظرات على الأبناء والبنات والإخوان، يلقي فيها آخر النظرات على هذه الدنيا، وتبدو على وجهه معالم السكرات، وتخرج من صميم قلبه الآهات والزفرات.
(ولله درُ من قال:
مضى العمر وفات ... يا أسير الغفلات
حصّل الزاد وبادر ... مسرعاً قبل الفوات
فإلى كم ذا التعامي ... عن أمور واضحات
وإلى كم أنت غارق ... في بحار الظلمات
لم يكن قلبك أصلا ... بالزواجر والعظات
بينما الإنسان يسأل ... عن أخيه قيل مات