(عباد الله هذه الأيام مطايا، فأين العدة قبل المنايا، أين الأنفة من دار الأذايا، أين العزائم أرضيتم بالدنايا، إن بلية الهوى لا تشبه البلايا، وإن خطيئة الإصرار لا كالخطايا، يا مستورين ستظهر الخبايا، سرية الموت لا تشبه السرايا، قضية الزمان ليست كالقضايا، راعي السلامة يقتل الرعايا، رامي المنون يصمي الرمايا، ملك الموت لا يقبل الهدايا.
(أين آباؤك مروا وسلكوا، أين أقرانك أما رحلوا وانصرفوا، أين أرباب القصور أما أقاموا في القبور وعكفوا، أين الأحباب هجرهم المحبون وصدفوا، فانتبه لنفسك فالمتيقظون قد عرفوا، فستحملك الأهل إلى القبور وربما مروا فانحرفوا.
(يا من لا يتعظ بأبيه ولا بابنه، يا مؤثراً للفاني على جودة ذهنه، يا متعوضا عن فرح ساعة بطول حزنه، يا مسخطاً للخالق لأجل المخلوق ضلالاً لإفنه، أمالك عبرة فيمن ضعضع مشيد ركنه، أما رأيت راحلاً عن الدنيا يوم ظعنه، أما تصرفت في ماله أكف غيره من غير إذنه، أما انصرف الأحباب عن قبره حين دفنه، أما خلا بمسكنه في ضيق سجنه، تنبه والله من وسنه لقرع سنه، ولقى في وطنه ما لم يخطر على ظنه، يا ذلة مقتول هواه يا خسران عبد بطنه.
(أوَ مَا علمت الموت للخلائق مبيد أما تراه قد مزقهم في البيد أما داسهم بالهلاك دوس الحصيد لا بالبسيط ينتهون ولا بالتشديد، أين من كان لا ينظر بين يديه، أين من أبصر العبر ولم ينتفع بعينيه، أين من بارز بالذنوب المطلع عليه.
(كم من ظالم تعدى وجار، فما راعى الأهل ولا الجار بينا هو يعقد عقد الإصرار حل به الموت فحل من حلته الأزرار (فَاعْتَبِرُواْ يَأُوْلِي الأبْصَارِ)
(ما صحبه سوى الكفن إلى بيت البلى والعفن لو رأيته وقد حلت به المحن وشين ذلك الوجه الحسن فلا تسأل كيف صار (فَاعْتَبِرُواْ يَأُوْلِي الأبْصَارِ)
(سال في اللحد صديده وبلى في القبر جديده وهجره نسيبه ووديده وتفرق حشمه وعبيده والأنصار (فَاعْتَبِرُواْ يَأُوْلِي الأبْصَارِ)
(أين مجالسه العالية أين عيشته الصافية أين لذاته الحالية كم كم تسفى على قبره سافية ذهبت العين وأخفيت الآثار (فَاعْتَبِرُواْ يَأُوْلِي الأبْصَارِ)
(تقطعت به جميع الأسباب وهجره القرناء والأتراب وصار فراشه الجندل والتراب وربما فتح له في اللحد باب النار (فَاعْتَبِرُواْ يَأُوْلِي الأبْصَارِ)