للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يا بعيدا عن الصالحين، يا مطرودا عن المفلحين لقد نصب الشيطان الأشراك وجعل حب الفخ هواك، احذر فخه فهو بعيد الفكاك، كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب، وكم ظلامٍ أسبل سِتْرَهُ وأنت في عجائب، كم ليلةٍ بالخطايا قطعتها، وكم من أعمالٍ قبيحة رفعتها، وكم من ذنوبٍ جمعتها، والصحف أودعتها، كم نظرة ما تحل ما خفت ولا منعتها، كم من موعظة تعيها وكأنك ما سمعتها، وكم من ذنوب تعيب غيرك بها أنت صنعتها، وكم أمَرَتْك النفس بما يؤذي فأطعتها، يا موافقا لنفسه آذيتها، وإن خالفتها نفعتها.

(يا دائم الخسران فما يربح، يا مقيما على المعاصي ما يبرح، متى رأيت من فعل فعلك أفلح، تقبل من العدو ولا تقبل ممن ينصح، قم على قدم الطلب فاقرع الباب بالأدب يُفْتَح.

(إخواني سلوا القبور عن سكانها، واستخبروا اللحود عن قطانها، تخبركم بخشونة المضاجع، وَتُعْلِمُكُم أن الحسرة قد ملأت واضع، فإن المسافر يود لو أنه راجع فليتعظ الغافل وليراجع.

(أخي الحبيب:

أما آن لك أن تتفكر في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله.

كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهاذماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.

فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا .. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.

ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:٧٧]، هو الكفن، فهو وعظ متصل بما تقدم من قوله: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:٧٧]، أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء، والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.

(ولله درُ من قال:

هي القناعة لا تبغ بها بدلاً ... فيها النعيم وفيها راحة البدن

انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... راح منها هل بغير القطن والكفن؟!

(أخي الحبيب:

أين استعدادك للموت وسكرته؟

أين استعدادك للقبر وضمته؟

أين استعدادك للمنكر والنكير؟

أين استعدادك للقاء العلي القدير؟

[*] (قال سعيد بن جبير: الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>