للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يا من ذنوبه كثيرةٌ لا تُعَد، ووجه صحيفته بمخالفته قد اسود، كم ندعوك إلى الوصال وتأبى إلا الصد، أما الموت قد سعى نحوك وَجَد، أما عزم أن يلحقك بالأب والجَد، أما ترى منعما أترب الثرى منه الخد، كم عاينت متجبرا كف الموت كفه الممتد، فاحذر أن يأتي على المعاصي فإنه إذا أتى أبى الرد، إلى كم ذا الصبا والمراح، أأبقى الشيب موضعا للمزاح، لقد أغنى الصباح عن المصباح، وقام حرب المنون من غير سلاح، اعوجت القناة بلا قنا ولا صفاح، فعاد ذو الشيبة بالضعف ثخين الجراح، ونطقت ألسن الفناء بالوعظ الصراح، واأسفا صمت المسامع والمواعظ فصاح، لقد صاح لسان التحذير يا صاح يا صاح، وأنى بالفهم لمخمورٍ غير صاح، لقد أسكرك الهوى سكرا شديداً لا يُزاح، وما تفيق حتى يقول الموت لا براح.

(إلى كم يا ذا المشيب، أما الأمر منك قريب، كم تعب في وعظك خطيب، كم عالجك طبيب، إنه لمرضٌ عجيب، إنه لداءٌ غريب، عظمٌ واهن وقلبٌ صليب، يا هذا لا شيء أقل من الدنيا ولا أعز من نفسك وها أنت تنفق أنفاس النفس النفيسة على تحصيل الدنيا الخسيسة، متى يقنعك الكفاف، متى يردك العفاف، متى يقومك الثقاف، إنك لتأبى إلا الخلاف، مقاليدك ثقال وركعاتك خفاف، يا قبيح الخصال يا سيء الأوصاف، يا مشترياً بسني الخصب السنين العجاف، قف متدبراً لحالك فالمؤمن وقاف، وتذكر وعيد العصاة ويحك أما تخاف.

(يا مُطْلِقَاً نفسه فيما يشتهي ويريد، اذكر عند خطواتك المبدئ المعيد، أما تعلم أنه بالمرصاد أما آن لك أن تحيد، أما تذكرت قوله (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).

(مَنْ للعاصي إذا دُعِيَ فحضر، ونشر كتابه ونظر، لم يُسْمَعْ عذره، وقد اعتذر وناقشه المولى فما غفر آه لراحلٍ لم يتزود للسفر، ولخاسرٍ إذا ربح المتقون افتقر، ولمحرومِ جنةِ الفردوس حَلَّ في سقر، ولفاجرٍ فضحه فجورِه فاشتهر، ولمتكبرٍ بالذلِ بين الكلِ قد ظهر، وإلى محمولٍ إلى جهنم فلا ملجأ له ولا وزر، آه مِنْ يومٍ تُكَوَّرُ فيه الشمسُ والقمر، يا كثيرَ الرياء قل إلى متى تُخْلِص، يا ناسيَ الأنكال متى على الخير تحرص، يا أسير الهوى أما علمت أن الهوى ظل والظل متقلص.

<<  <  ج: ص:  >  >>