[*](قال بعض السلف: معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم وقد اختلف في قوله يشرب بها فقال الكوفيون الباء بمعنى من أي يشرب منها وقال آخرون بل الفعل مضمن ومعنى يشرب بها أي يروى بها فلما ضمنه معناه عداه تعديته وهذا أصح وألطف وأبلغ وقال طائفة الباء للظرفية والعين اسم للمكان كما تقول كنا بمكان كذا وكذا ونظير هذا التضمين قوله تعالى (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ)[الحج: ٢٥] ضمن معنى يهم فعدى تعديته.
فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون أن شراب الأبرار يمزج منها لأن أولئك أخلصوا الأعمال كلها لله فأخلص شرابهم وهؤلاء مزجوا فمزج شرابهم ونظير هذا قوله تعالى:(إِنّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِن رّحِيقٍ مّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرّبُونَ)[المطففين ٢٢: ٢٨]
فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين بالكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن في الكافور من البرد وطيب الرائحة وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرابين ومجيء أحدهما على أثر الآخر حالة أخرى أكمل وأطيب وألذ من كل منهما بانفراده ويعدل كيفية كل منهما بكيفية الآخر وما ألطف موقع ذكر الكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها فإن شرابهم مزج أولا بالكافور وفيه من البرد ما يجيء الزنجبيل بعده فيعد له والظاهر أن الكأس الثانية غير الأولى وأنهما نوعان لذيذان من الشراب أحدهما مزج بكافور والثاني مزج بزنجبيل
وأيضا فإنه سبحانه أخبر عن مزج شرابهم بالكافور وبرده في مقابلة ما وصفهم به من حرارة الخوف والإيثار والصبر والوفاء بجميع الواجبات التي نبه على وفائهم بأضعفها وهو ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر على الوفاء بأعلاها وهو ما أوجبه الله عليهم ولهذا قال تعالى:(وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنّةً وَحَرِيراً)[الإنسان: ١٢]