فإن في الصبر من الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما اقتضى أن يكون في جزائهم من سعة الجنة ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونة وجمع لهم بين النضرة والسرور وهذا جمال ظواهرهم وهذا حال بواطنهم كما جملوا في الدنيا ظواهرهم بشرائع الإسلام وبواطنهم بحقائق الإيمان ونظيره قوله في آخر السورة:(عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلّوَاْ أَسَاوِرَ مِن فِضّةٍ)[الإنسان: ٢١] فهذه زينة الظاهر ثم قال تعالى: (وَسَقَاهُمْ رَبّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً)[الإنسان: ٢١] فهذه زينة الباطن المطهر لهم من كل أذى ونقص ونظيره قوله تعالى لأبيهم آدم عليه السلام: (إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ * وَأَنّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىَ)[طه ١١٨: ١١٩]
فضمن له أن لا يصيبه ذل الباطن بالجوع ولا ذل الظاهر بالعري وأن لا يناله حر الباطن بالظمأ ولا حر الظاهر بالضحى ونظير هذا ما عدده على عباده من نعمة أنه أنزل عليهم لباسا يواري سوآتهم ويزين ظواهرهم ولباسا آخر يزين بواطنهم وقلوبهم وهو لباس التقوى وأخبر أنه خير اللباسين وقريب من هذا إخباره أنه زين السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد فزين ظاهرها بالنجوم وباطنها بالحراسة وقريب منه أمره من أراد الحج بالزاد الظاهر ثم أخبر أن خير الزادِ الزادُ الباطن وهو التقوى وقريب منه قول امرأة العزيز عن يوسف قال تعالى:(فَذَلِكُنّ الّذِي لُمْتُنّنِي فِيهِ)[يوسف: ٣٢]
فأرتهن حسنه وجماله ثم قالت (وَلَقَدْ رَاوَدتّهُ عَن نّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ)[يوسف: ٣٢] فأخبرتهن بجمال باطنه وزينته بالعفة وهذا كثير في القرآن لمتأمله.