سلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا وأخبر الله سبحانه و تعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله:(وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىَ)[طه: ٧٧] فالرؤية و الإدراك كل منهما يوجد مع الآخر و بدونه فالرب تعالى يرى و لا يدرك كما يعلم و لا يحاط به و هذا هو الذي فهمه الصحابة و الأئمة من الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو أعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بأن شيئا يحيط به وهو بكل شيءٍ محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهذا من أعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله و إنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها وإلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة اضرابه فقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى: ١١] من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله تعالى: (لاّ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ)[الأنعام: ١٠٣] من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله تعالى: (هُوَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الحديد: ٤] من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فإنه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا و تأمل حسن هذه المقابلة لفظا