للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستدلال بهذا أعجب فإنه من أدلة النفاة و قد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير و ألطفه وقال لي: أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا و في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فان الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح و معلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية و أما العدم المحض فليس بكمال و لا يمدح به و إنما يمدح الرب تبارك و تعالى بالعدم إذا تضمن أمراً وجوديا كتمدحه بنفي السِنَةِ والنوم المتضمن كمال القيومية و نفي الموت المتضمن كمال الحياة و نفي اللغوب والاعياء المتضمن كمال القدرة ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته والهيئة وقهره و نفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناه عن خلقه ونفي الظلم المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته ولهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن أمراً ثبوتياً فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمرٍ يشترك هو والمعدوم فيه «فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال» لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار والرب جل جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به كما كان المعنى في قوله تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَن رّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرّةٍ) [يونس: ٦١] أنه يعلم كل شيء وفي قوله تعالى: (وَمَا مَسّنَا مِن لّغُوبٍ) [ق: ٣٨] أنه كامل القدرة وفي قوله تعالى: (وَلاَ يَظْلِمُ رَبّكَ أَحَداً) [الكهف: ٤٩] أنه كامل العدل وفي قوله قال تعالى: (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لّهُ) [البقرة: ٢٥٥] أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته و أنه أكبر من كل شيء وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء و هو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى: (فَلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىَ إِنّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ إِنّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء ٦١،٦٢] فإنه لم ينف عن موسى الرؤية و لم يريدوا بقولهم إنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله و

<<  <  ج: ص:  >  >>