للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المال فهو ضروري في المعيشة أعني القليل منه، فإن كان كسوباً فإذا اكتسب حاجة يومه فينبغي أن يترك الكسب، كان بعضهم إذا اكتسب حبتين رفع سفطه وقام، هذا شرط الزهد؛ وتأمل في الحديث الآتي بعين الاعتبار:

(حديث عبيد الله بن محصن الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوتُ يومه فكأنما حيزت له الدنيا)

(حديث عبد الله بن عمر الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (قد أفلح من أسلم و رُزق كفافاً و قنَّعه الله بما آتاه)

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.

قوتاً: أي شيءٌ يسدُ الرمق.

فإن جاوز ذلك إلى ما يكفيه أكثر من سنة فقد خرج عن حد ضعفاء الزهاد وأقويائهم جميعاً، وإن كانت له ضيعة ولم يكن له قوة يقين في التوكل فأمسك منها مقدار ما يكفي ريعه لسنة واحدة فلا يخرج بهذا القدر عن الزهد بشرط أن يتصدق بكل ما يفضل عن كفاية سنته، ولكن يكون من ضعفاء الزهاد، فإن شرط التوكل في الزهد كما شرطه أويس القرني رحمه الله، فلا يكون هذا من الزهاد. وقولنا: إنه خرج من حد الزهاد نعني به أن ما وعد للزاهدين في الدار الآخرة من المقامات المحمودة لا يناله، وإلا فاسم الزهد قد لا يفارقه بالإضافة إلى ما زهد فيه من الفضول والكثرة، وأمر المنفرد في جميع ذلك أخف من أمر المعيل، وقد قال أبو سليمان: لا ينبغي أن يرهق الرجل أهله إلى الزهد بل يدعوهم إليه، فإن أجابوا وإلا تركهم وفعل بنفسه ما شاء: معناه أن التضييق المشروط على الزاهد يخصه ولا يلزمه كل ذلك في عياله، نعم لا ينبغي أن يجيبهم أيضاً فيما يخرج عن حد الاعتدال.

<<  <  ج: ص:  >  >>