للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] • وانتبه الحسن ليلة فبكى، فضج أهل الدار بالبكاء، فسألوه عن حاله فقال: ذكرت ذنبا لي فبكيت.

[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في بحر الدموع عن الحسن البصري أنه جلس ذات يوم يعظ الناس، فجعلوا يزدحمون عليه ليقربوا منه، فأقبل عليهم، وقال: يا إخوتاه، تزدحمون عليّ لتقربوا مني؟ فكيف بكم غدًا في القيامة إذا قرّبت مجالس المتقين، وأبعدت مجالس الظالمين، وقيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا؟ فيا ليت شعري: أمع المثقلين أحط، أم مع المخفين أجوز؟ ثم بكى حتى غشي عليه، وبكى من حوله، فأقبل عليهم وناداهم، يا إخوتاه، ألا تبكون خوفًا من النار؟ ألا من بكى خوفًا من النار نجاه الله منها يوم يجرّ الخلائق بالسلاسل والأغلال.

يا إخوتاه، ألا تبكون شوقًا إلى الله. ألا وإن من بكى شوقًا إلى الله، لم يحرم من النظر غدًا إلى الله إذا تجلى بالرحمة، واطّلع بالمغفرة، واشتدّ غضبه على العاصين.

يا إخوتاه، ألا تبكون من عطش يوم القيامة؟ يوم يحشر الخلائق وقد ذبلت شفاههم، ولم يجدوا ماء إلا حوض المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيشرب قوم، ويمنع آخرون. ألا وإن من بكى من خوف عطش ذلك اليوم سقاه الله من عيون الفردوس.

قال: ثم نادى الحسن رضي الله عنه: واذلاه إذا لم يرو عطشي يوم القيامة من حوض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم بكى وجعل يقول: والله لقد مررت ذات يوم بامرأة من المتعبدات، وهي تقول: إلهي، قد سئمت الحياة شوقًا ورجاء فيك. فقلت لها: يا هذه، أتراك على يقين من عملك؟ فقالت: حبي فيه وحرصي على لقائه بسطني. أتراه يعذبني وأنا أحب؟.

فبينما أنا كذلك أخاطبها، إذ مرّ بي صبيّ صغير من بعض أهلي، فأخذته في ذراعي، وضممته إلى صدري، ثم قبلته. فقالت لي: أتحب هذا الصبي؟ قلت: نعم. قال: فبكت، وقالت: لو يُعلم الله الخلائق ما يستقبلون غدًا، ما قرّت أعينهم، ولا التذّت قلوبهم بشيء من الدنيا أبدًا.

قال: فبينما أنا كذلك، إذ أقبل لها ولد يقال له: ضيغم، فقالت: يا ضيغم، أتراني أراك غدًا يوم القيامة في المحشر أو يحال بيني وبينك؟ قال: فصاح الصبي صيحة ظننت أنه قد انشق قلبه، ثم خرّ مغشيًا عليه، فجعلت تبكي عليه، وبكيت لبكائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>