• كم أكبَّت المعاصي رؤوساً على مناخرها في الجحيم، وأسلمتهم إلى مقاساة العذاب الأليم، وجرعتهم بين أطباق النار كؤوس الحميم، وكم أخرجت من شاء الله من العلم والدين كخروج الشعرة من العجين، وكم أزالت من نعمة، وأحلَّت من نقمة، وكم أنزلت من معْقل عزِّهِ عزيزاً فإذا هو في الأذلين، ووضعت من شريف رفيع القدر والمنصب فإذا هو في أسفل سافلين، وكم كشفت من عورة، وأحدثت من روعة، وأعقبت من ألم، وأحلت من ندم، وكم أضرمت من نار حسرات أحرقت فيها الأكباد، وأذهبت قدراً كان للعبد عند الله وفي قلوب العباد، وكم جلبت من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء؛ فقلَّ أن يفارقها زوال نعمة، أو فجاءة نقمة، أو تحويل عافية، أو طُروق بلية، أو حدوث رزية؛ فلو سألت النِّعَم ما الذي أزالك؟ والنِّقم ما الذي أدالك؟ والهمومَ والأحزان ما الذي جلبك؟ والعافية ما الذي أبعدك وجنَّبك؟ والستر ما الذي كشفك؟ والوجه ما الذي أذهب نورك وكسفك؟ والحياة ما الذي كدَّرك؟ وشمس الإيمان ما الذي كوَّرك؟ وعزة النفس ما الذي أذلَّك؟ وبالهوان بعد الأكرام بدَّلك _ لأجابتك بلسان الحال اعتباراً إن لم تجب بالمقال حواراً.
• أخي الحبيب:
اعلم علم اليقين الذي لا يخالطه شك أن المعاصي تضر بالقلب والبدن ضرراً بليغاً فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال، نعوذ بالله الكبير المتعال من سوء الحال وقُبح الفِعال ونعوذ به من السفه والضلال، فالمعاصي للقلب والبدن داء ٌ عضال ومرض قتَّال أمرها خطير وشرها مستطير أشر من البرص وأضر من الجرب ضررها كضرر السرطان يأكل الخلايا، ومثل السوس الذي ينخر عظامهم من الداخل، ومن تفكَّر ملياً وتأمل جلياً لم يجد في الدنيا و الآخرة شر ولا داء إلا سببه الذنوب والمعاصي.