للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّل بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالإيمان كفراً، وبموالاة الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبرجل التسبيح والتهليل رجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش، وبلباس الإيمان لباس الكفر والفسوق والعصيان، فهان على الله غاية الهون، وسقط من عينه غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه، فصار قواداً لكل فاسق ومجرم. رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة؟ فعياذاً بك اللهم من مخالفة أمرك، وارتكاب نهيك.

وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟

وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيهما واجعل لهما من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيهما من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله.

(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه.

[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في بحر الدموع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يغرّنّكم قول الله عز وجل: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} [الأنعام ١٦٠]، فإن السيئة وإن كانت واحدة، فإنها تتبعها عشر خصال مذمومة:

أولها: إذا أذنب العبد ذنبًا، فقد أسخط الله وهو قادر عليه.

والثانية: أنه فرّح إبليس لعنه الله.

والرابعة: أنه تقرّب من النار.

والخامسة: أنه قد آذى الحفظة.

والثامنة: أنه قد أحزن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبره.

والتاسعة: أنه أشهد على نفسه السماوات والأرض وجميع المخلوقات بالعصيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>