للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥) النظرر في العواقب:

من أنفع الأدوية التي تزهدك في المعاصي البصر في العواقب.

[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه صيد الخاطر:

من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها، نال خيرها، و نجا من شرها. و من لم ير العواقب غلب عليه الحسن، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السلامة، و بالنصب ما رجا منه الراحة.

بيان هذا في المستقبل، يتبين بذكر الماضي، و هو أنك لا تخلو، أن تكون عصيت الله في عمرك، أو أطعته. فأين لذة معصيتك؟ و أين تعب طاعتك؟ هيهات رحل كل بما فيه! فليت الذنوب إذ تخلت خلت!

وأزيدك في هذا بياناً مثل ساعة الموت، و انظر إلى مرارة الحسرات على التفريط، و لا أقول كيف تغلب حلاوة اللذات، لأن حلاوة اللذات استحالت حنظلا، فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم، أتراك ما علمت أن الأمر بعواقبه؟ فراقب العواقب تسلم، و لا تمل مع هوى الحسن فتندم.

• عباد الله النظر النظر إلى العواقب، فإن اللبيب لها يراقب، أين تعب من صام الهواجر، وأين لذة العاصي الفاجر، رَحِلَتْ اللذة من الأفواه إلى الصحائف، وذهب نَصَبُ الصالحين بجزَعِ الخائف، فكأن لم يتعب من صَابَرَ اللذات وكأن لم يلتذ من نال الشهوات.

• لله در أقوام تلمحوا العواقب، فعملوا عمل مراقب، وجاوزوا الفرائض إلى طلب المناقب، علت هممهم عن الدنايا، وارتفعت وكفت الأكف عن الأذايا.

وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط.

[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:

(فيصبغ في النار صبغة): الصبغة بفتح الصاد أي يغمس غمسة.

والبؤس: بالهمز هو الشدة والله أعلم.

• أين الذين كانوا في اللذات يتقلبون، ويتجبرون على الخلق ولا يُغْلَبُون، مزجت لهم كؤوس المنايا فباتوا يتجرعون، (مَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يُمَتّعُونَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>