(٧) ومن الأدوية التي تزهدك في المعاصي أن يصور الإنسان انقضاء غرضه أو يمثل غيره في مقامه ثم يتلمح عواقب الحال، أفترى يوسف عليه السلام لو زل من كان يكون أو لم يبق مدحه لِصَبْرِهِ أبد الدهر، أفترى ما سمعت بما عز، ولا شك أنه في القيمة معروف وإن كانت التوبة قد غمرت ذنبه، ولكن تلمح أنت عواقب من صبر ومن لم يصبر وأعمل فكرك في الحالتين لعل هذه العبرة تخرق حجاب الهوى فتدخل على القلب بغير إذن فتكشف هذه الغمة، فالعاقل من وزن ما يحتوي عليه العشق من لذة ونغصة فنغصه كثيرة وأذاه شديد وهو على الحقيقة يهين النفس التي لا قيمة لها وغالب لذاته محرم ثم هي مشوبة بالغموم والهموم وخوف الفراق وفضيحة الدنيا وحسرات الآخرة فيعلم الموازن بين الأمرين أن اللذة مغمورة في جنب الأذى قال الببغاء.
• ولله درُ من قال:
وأفضل الناس من لم يرتكب سببا ... حتى يميز ما تجنى عواقبه
• وقال المتنبي:
مما أضر بأهل العشق أنهم ... هووا وما عرفوا الدنيا ولا فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم ... في إثر كل قبيح وجهه حسن
تحملوا حملتكم كل ناجية ... فكل بين علي اليوم مؤتمن
ما في هوادجكم من مهجتي عوض ... إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن
سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ... ثم استمر مريري وارعوى الوسن
(٨) ومن الأدوية التي تزهدك في المعاصي أن يعلم الإنسان علم اليقين أنه لا يكون التمكين إلا بعد أن يُمْتَحَن فيصبر.
[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن الشافعي قال: لا يكون التمكين إلا بعد المحبة فإذا امتحن الإنسان فصبر مكن ألا ترى أن الله تعالى امتحن إبراهيم ثم مكنه وامتحن أيوب ثم مكن له فقال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىَ لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء: ٨٤] وامتحن سليمان ثم آتاه ملكا وكذلك يوسف عليه السلام.
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:
فمن نظر في هذا فليعلم أن مدة هذا البلاء خطوات في ميدان معاملة ويا قرب النهاية فليصابر هجير الصبر فما أسرع انقضاء اليوم وليحذر من الخسران في موسم البلاء فربما ذهب أصل البضاعة وليتخايل عند صبره خيلاء فخره فليزه بها فما يوازن صبره عمل عابد ولا زهد زاهد وربما نظر إليه في تلك الحالة نظرة رضا كانت غنى الأبد وهذا كله في الصدمة الأولى فإنه ربما وقع ملل أو سلو.