للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• أما آن لك أن تغْتَنِم بَقِيَّةَ الْعُمُرِ وَالأَيَّامِ، وأن تَبَادِر بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِيَ وَالإِجْرَامِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ تَشَقَّقُ فِيهِ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَتَظْهَرُ فِيهِ الْخَفَايَا وَالدَّوَاهِي وَالأَهْوَالُ الطَّوَام، وَتُنَكِّسُ فِيهِ الظَّلَمَةُ رُؤُوسَهَا وَيَعْلُوهَا الذُّلُ مِن الرُّؤُوسِ إلى الأَقْدَامِ وَيَتَجَلَّى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ حَاكِمُ الْحُكَّام، أما علمت أن السعي للجنة لا يكون بالكلام، ولا بالأماني والأحلام، ولكن بالجِدِ والاهتمام.

• أما آن لك أن تَصُون قلبك مِن الْخَرَابِ، وَتَحْفَظَ دينك مِنَ التَّلاشِي وَالذِّهَابِ، وَتَرْجُو رِضَا رَبَّك وَعَفْوَهُ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، أما كان لك عبرةٌ فيمن ماتوا ودُفِنوا تحت التراب، كيف فُجِعَ بِهِم الأَحْبَاب، وأكثروا عليهم البكاء والانتحاب، وسَكَنُوا التُراب، وظَعَنُوا فليسَ لهم إِياب.

• أما آن لك أن تنتبه من غفلتك فإليك يوجه الخطاب، وتُفِيق من نومك قبل أن تناخ للرحيل الركاب قبل هجوم هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومذل الرقاب، ومشتِِّت الأحباب، أما تذكر ما أمامك من شدة الحساب وشر المآب، فيا له من زائر لا يعوقه عائق، ولا يضرب دونه حجاب، ويا لَهُ من نازل لا يستأذن على الملوك ولا يلج من الأبواب، ولا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا، ولا يخاف عظيمًا ولا يهاب، ألا وإن بعده ما هُوَ أعظم منه من السؤال والجواب، وراءه هول البعث والحشر وأحواله الصعاب من طول المقام والازدحام فِي الأجسام والميزان والصراط والحساب والْجَنَّة أَوْ النار.

• أما آن لك أن تأوي إلى ركنٍ شديد وأن ترجع إلى ربك الحميد المجيد، ذو البطشِ الشديد، الفعالُ لما يريد: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧]

• أما آن لك أن تندم على ذنوبك؟ وتتحسر على عيوبك؟ إلى متى تؤذي بالذنب نفسك، و تضيع يومك تضييعك أمسك، لا مع الصادقين لك قدم، و لا مع التائبين لك ندم، هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة، و أجريت في السحر دموعاً سائلة، من لك يا مسكين إذا أَلَمَّ الألَم، و سكن الصوت و تمكن الندم، ووقع الفوت، و أقبل لأخذ الروح ملك الموت، و نزلت منزلاً ليس بمسكون، فيا أسفاً لك كيف تكون، انتبه من غفلتك يا من بِعَمَلِهِ مرهون وأفق من نومك يا مفتون قبل أن تحلَّ بك المنون.

<<  <  ج: ص:  >  >>