للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] • وكان يحيى بن معين شديد الحرص على لقاء الشيوخ والسماع منهم خشية أن يفوتوه. أي أنه يمكن أن يسافر الشيخ، أو يموت، أو يحصل له أي شيء يحول بينه وبينه. قال عبد بن حميد: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إلي فقلت: حدثنا حماد بن سلمة. فقال: لو كان من كتابك. يعني: حتى تكون مدققاً ضابطاً أحضر الورق التي كتبت فيها الحديث أو الكتاب واقرأ منها الحديث، يقول الإمام عبد بن حميد: فقمت لأخرج كتابي فقبض على ثوبي، ثم قال لي: أمله علي؛ فإني أخاف أن لا ألقاك. خشي أنه إذا خرج لإحضار الكتاب قد يموت في الطريق، فيفوته الحديث، فقال: أمله علي من حفظك، ثم بعد ذلك أخرج هذا الكتاب وأقرأه علي مرة ثانية من الكتاب. قال: فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأته عليه. وعن ابن إسحاق قال: سمحت مكحولاً يقول: طفت الأرض في طلب العلم. وروى أبو وهب عن مكحول قال: أُعتقت بمصر ـ أي أن مكحولاً كان عبدا ـ فلم أدع بها علماً إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق، ثم أتيت المدينة، فلم أدع بهما علماً إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها. أي: بعدما جمع كل هذه العلوم وهذه الأحاديث أتى الشام وغربل هذه الأحاديث، وبدأ يميز الصحيح من الضعيف، وهذا هو عين الفطنة، وهذا هو الذي حدا بكثير من علمائنا إلى التفريق بين مرحلة التقميش ومرحلة التفتيش فمرحلة التقميش أن يدون كل ما يستطيعه، فما دام الحديث بإسناد فإنه يدون؛ لأن الشيخ يمكن أن يسافر، أو يمرض، أو تختل ذاكراته، أو يختل حفظه، فتؤثر هذه في الرواية، فلذلك يبادر الفرصة بأن يدون ما يستطيع تدوينه عن المشايخ، ثم بعد ذلك إذا كان معه الحديث والإسناد فالأداة والوسيلة التي يمكن من خلال دراستها التحقق من صحة الحديث موجودة معه، وحينئذٍ يتفرغ بعد ذلك إلى التفتيش، وهذا هو سر وجود الأحاديث الضعيفة في المراجع، فلا نظن ـ نحن طلبة العلم المساكين ـ أن هؤلاء العلماء كانوا مقصرين، وأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث الضعيف من الصحيح، وأنه توجد في كتب كثيرة من كتب الحديث المسندة، حتى في الترمذي وفي النسائي، فضلاً عن ابن ماجه أو غير ذلك من الكتب والمسانيد التي توجد فيها أحاديث تحتاج إلى تحقيق، فهل العلماء ما كانوا يعرفون تحقيق هذه الأحاديث في تلك الأعصار الذهبية لعلم الحديث؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>