للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب: لا، بل كانوا يعرفون، ولكن كانوا يدونون؛ لأن هذا السند حتى لو كان ضعيفاً فإنه يمكن أن توجد له طرق أخرى مع كثرة التفتيش تقوي هذا السند، وهذا هو عين الفقه؛ لأن الواحد منهم يقيد العلم أولاً، ثم بعد ذلك يفتش وراء الأسانيد، ويجمع الطرق، فيرتقي الضعيف إلى الحسن لغيره، أو الصحيح لغيره، وهكذا، ثم إنه بهذا يكون قد اغتنم الفرصة ولم يفوتها، فالشيخ قد يسافر، وقد يرحل، وقد يموت، وقد يختل حفظه، أو هو نفسه قد يحصل له شيء، فلذلك كانوا أولاً يجمعون، ثم وظيفة التحقيق بعد ذلك تكون أسهل، لوجود الوسيلة إليها، وقد برئت عهدتهم من الأحاديث الضعيفة؛ لأنهم لم يكونوا في وقت في ليل ولا نهار إلا وهم في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى إن الإمام النووي كان يقرأ في ذهابه في الطريق، وقال: إنه بقي على التحصيل على هذا الوجه ست سنين متصلة، وكان النووي ـ أيضاً ـ أول طلبه يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، درسين في الوسيط، وثالثاً في المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، وخامساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع لابن جني في النحو، ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكيت في اللغة، ودرساً في التصريف، ودرساً في أصول الفقه، تارة في اللمع لأبي إسحاق وتارة في المنتخب للفخر الرازي، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين. أي: التوحيد. قال النووي: وكنت أعلق ـ أي: أكتب ـ جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي واشتغالي وأعانني عليه. وطالع الشيخ عبد الله بن محمد بن أبي بكر الحنبلي (المغني) للموفق ابن قدامة رحمه الله ثلاثاً وعشرين مرة، حتى كاد يستحضره. ......

<<  <  ج: ص:  >  >>