فهذا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، لم يوصف بأنه من المفكرين أو العلماء المتخصصين البارزين في علم معين، وحين تتأمل كلامه تجد وضوحًا وسهولة مع قوة وروح، ويأتي بآيات وأحاديث وكلمات لسلفنا الصالح مع بعض كلام له يسير يربط به ربطًا واضحًا في غير تكلف بين تلك النصوص وما يريد، بهذا أقام حركة وأثر في الأمة، ليس في الجزيرة العربية وحدها ولكن في معظم أرجاء العالم الإسلامي، وذلك لأنه ساند كلامه اليسير وأفكاره السهلة الواضحة بقوته العملية؛ قوة في القلب، وقوة في العبادة، وقوة في السلوك، وقوة في البذل والعطاء والتحمل.
وكذا أثّر من بعده الإمام حسن البنا رحمه الله، ولم يكن هو الآخر من طبقة المفكرين أو الفلاسفة أو العلماء المتخصصين البارزين، ولكنه داعية رباني ذو قوة عملية مع فكرة واضحة وسهلة.
هذه أمثلة، وعلى منوالها يستطيع المتأمل البصير أن يستقرئ الواقع والتاريخ فيجد أن كل من أقاموا حركات قوية مؤثرة صامدة والتفت حولهم الشعوب والجماهير لم يكونوا من طبقة المفكرين القابعين في مكاتبهم يستحدثون المصطلحات ويتكلفون التعبيرات التي يعقدون بها لغة الدعاة حتى أن من لا يحسن مصطلحاتهم تجد نفسه كالعامي لا يدري ماذا يقولون، ولا ما ذا يقصدون.
وقد يظن من لا علم له أن سيد قطب رحمه الله من تلك الطبقة، والأمر في الحقيقة ليس ذلك، والذي يعلم لغة المفكرين ولغة سيد يعرف جيدًا الفرق بين اللغتين، فلغة سيد مع تميزها بالحس الأدبي والأسلوب الراقي إلا أنها تنطوي على أفكار واضحة مباشرة تكاد تكون هي المعاني الظاهرة للآيات والتطبيق المباشر لها، وهذه الأفكار معروضة بأسلوب واضح مباشر بعيد عن تعقيد المصطلحات، على خلاف ما تنطوي عليه لغة المفكرين مِنْ محاولة الوصول إلى المقصود مِنْ طرق بعيدة وأحيانًا معقدة مع تكلف في الأساليب واستحداث المصطلحات.
ومع هذا نقول، وهب أن سيدًا كان من المفكرين ولكنه ساند فكرته بربانية وقوة عملية جعلت لكلامه تلك المصداقية أو ذلك الأثر في الأمة.