للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس العيب في التفكير أو التعميق في العلوم، وإنما العيب في المفكرين والعلماء المتخصصين الذين اكتفوا أو استغنوا بالتعمق في التفكير أو العلوم عن القوة العملية وعن الربانية التي ينبغي أن يتحلى بها العالم والمفكر حتى يغدو مؤثرًا في واقعه وفي أمته بروح قوية وعبادة حسنة وسلوك قويم وزهد وتواضع وتضحية وبذل وعطاء.

نعم يكون العيب في المفكرين أو العلماء المتخصصين ـ وليس في العلم سواء كان علمًا شرعيًا أو فكرًا أو غير ذلك ـ حين يهملون تلك الجوانب العملية، ويغترون بما قطعوه من المراحل في علومهم وأفكارهم فيظنوا أنهم بذلك قد صاروا عباد الله المختارين، وقد سبقوا غيرهم سبقًا بعيدًا، فلا يضرهم بعد اليوم تقصير في عبادة أو سلوك أو عمل.

لا خير في نمو نظري يتخلف عنه النمو العملي:

وهؤلاء البارزون في علمهم وفكرهم مع ضعف قلوبهم وعبادتهم وسلوكهم وقلة أو عدم بذلهم وتضحيتهم لا يمكن أن تنمو في ظلهم دعوة قوية تغير الأمة، بل هم بهذه التركيبة الخطيرة يقتلون فيمن حولهم كثيرًا من المعاني السامية الجميلة، مثل صفاء القلوب وقوتها، وصدق المحبة والأخوة، وحسن العبادة والإقبال عليها، والاستقامة والورع، والبذل والعطاء والتضحية والحياة للدعوة ... نعم يقتلون كل هذه المعاني حين يراهم مَنْ حولهم يزهدون فيها وهم البارزون المشار إلى علومهم وأفكارهم، فأي فتنة أشد من هذا؟! حتى صرنا والله لا ندري أيهما خير المعلم أم المتعلم، والمربي أم المرَبَّى! وستظل أحوالنا متردية ما دمنا نظن أن المشكلة تكمن في قلة الأفكار ونغفل عن الداء العظيم الذي هو الضعف العملي المخيم علينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>