ولا خير في أي نمو نظري ـ علمي أو فكري ـ يتخلف عنه النمو العملي، وهذا ما أردت التحذير منه؛ أن نتضخم علميًا أو فكريًا على حساب قلوبنا وعبادتنا وسلوكنا وبذلنا وعطائنا في الواقع العملي لهذه الدعوة ولنصرة الدين، فيحدث الخلل وتكون الفتنة، كما أردت التحذير من أن يصبح مألوفًا عندنا أن نعلم الحق أو الواجب ولا نسعى للقيام به، ونرى الطريق ولا نسير فيها، ونعلم المزالق ولا نتوقاها، فيصدق علينا مِنْ ثَمَّ كلام ابن القيم رحمه الله:(فمن الناس مَنْ يكون له مِن القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيفًا في القوة العملية، يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله).
ولهذا فهنا كلمة نقولها لعموم الأمة: لا تظنوا حين تجدوننا قد أحسنا الحديث أننا ـ بالضرورة ـ قد أحسنا العمل والعبادة والسلوك أو أننا حقًا نتحمل ونضحي، أو أننا نحسن الثبات في الفتن والبلاء، أو أننا مؤهلون لقيادة الأمة، كلا فلا تلازم بين القوتين، نعم؛ ينبغي أن تعلموا ذلك لتكونوا أبعد عن الأوهام وأبعد عن الصدمات، فالعالم أو المفكر بشر من البشر فيه من الضعف ما فيهم ويعتريه ما يعتريهم، فلا تظنوا كل من حسن علمه ومنطقه يستطيع أن يصنع شيئًا على أرض الواقع، والموفق من وفقه الله.