(وهذا التمحيص يكون في دار الدنيا بأربعة أشياء: بالتوبة والاستغفار وعمل الحسنات الماحية والمصائب المكفرة فإن محصته هذه الأربعة وخلصته: كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يبشرونهم بالجنة وكان من الذين {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} عند الموت (أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ). [فصلت /٣٢:٣٠]
وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه وتخليصه لم تكن التوبة نصوحا وهي العامة الشاملة الصادقة ولم يكن الاستغفار كاملا تاماً وهو المصحوب بمفارقة الذنب والندم عليه وهذا هو الاستغفار النافع لا استغفار من في يده قدح السكر وهو يقول أستغفر الله ثم يرفعه إلى فيه ولم تكن الحسنات في كميتها وكيفيتها وافية بالتكفير ولا المصائب وهذا إما لعظم الجناية وإما لضعف الممحص وإما لهما محص في البرزخ بثلاثة أشياء.
أحدها: صلاة أهل الإيمان الجنازة عليه واستغفارهم له وشفاعتهم فيه.
الثاني: تمحيصه بفتنة القبر وروعة الفتان والعصرة والانتهار وتوابع ذلك.
الثالث: ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال من الصدقة عنه والحج والصيام عنه وقراءة القرآن عنه والصلاة وجعل ثواب ذلك له، وقد أجمع الناس على وصول الصدقة والدعاء قال الإمام أحمد:"لا يختلفون في ذلك وما عداهما فيه اختلاف والأكثرون يقولون بوصول الحج" وأبو حنيفة يقول: "إنما يصل إليه ثواب الإنفاق" وأحمد ومن وافقه: مذهبهم في ذلك أوسع المذاهب يقولون: يصل إليه ثواب جميع القرب بدنيها وماليها والجامع للأمرين واحتجوا بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمن سأله: "يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد مماتهما؟ قال: نعم فذكر الحديث" وقد قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه".
فإن لم تف هذه بالتمحيص محص بين يدي ربه في الموقف بأربعة أشياء: أهوال القيامة وشدة الموقف وشفاعة الشفعاء وعفو الله عز وجل.