(أو ما علمت أن معالي الأُمور لا تنال بالفتور، وإنما تنال بالجد والاجتهاد والتشمرِ ليومِ المعاد، وخلعِ الراحة واستفراغ الوسع في الطاعة، أو ما علمت أن من جد وجد ومن زرع حصد، وليس من سهر كمن رقد والأمور تحتاج إلى وثبة أسد، فإذا عزمت فبادر وإذا هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من كان في الصف الآخر.
يا ضعيف العزم: أين أنت والطريق نصب فيه " آدم " وناح لأجله " نوح " ورمي في النار " الخليل " واضطجع للذبح " اسحاق " وبيع " يوسف " بدراهم بخس ونشر بالمناشير " زكريا " وذبح الحصور " يحيى " وضني بالبلاء " أيوب " وزاد على القدر بكاء " داود " وتنغص في الملك عيش " سليمان " وتخير بأرني " موسى " وهام مع الوحوش " عيسى " وعالج الفقر " محمد ".
(أقسام محاسبة النفس:
[*] قال ابن القيم رحمه الله: ومحاسبة النفس نوعان: نوعٌ قبل العمل ونوعٌ بعده.
(القسم الأول: محاسبة النفس قبل العمل:
أن يقف عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحان العمل به على تركه، [*] قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر.
هذا النوع من المحاسبة مهم جداً في إيقاع الأعمال على الإخلاص، بدون المحاسبة هذه تقع الأعمال بغير الإخلاص فيهلك الإنسان وهو يعمل (عَامِلَةٌ نّاصِبَةٌ * تَصْلَىَ نَاراً حَامِيَةً) [الغاشية ٣،٤]، فما استفاد من العمل شيء مع أن ظاهره أعمال صالحة لكن لأنها ليست لله.
وكذلك ينظر ثانياً إذا تحركت نفسه لعمل من الأعمال وقف، هل هذا العمل مقدور عليه أو غير مقدور، فإن كان غير مقدور تركه حتى لا يضيع الوقت، وإن كان مقدوراً عليه وقف وقفة أخرى ونظر هل فعله خير من تركه أو تركه خير من فعله، فإن كان فعله خير من تركه عمله وإن كان تركه خيراً من فعله .. ،وإذا كان فعله فيه مصلحة .. هل سيفعله الآن والباعث عليه الله وإرادة وجهه أو الباعث عليه أمر آخر (جاه المخلوق وثنائهم ومالهم).
وهذه المحاسبة مهمة جداً في وقاية النفس من الشرك الخفي، الأول يقيها من الشرك الأكبر والأصغر ويقيها أيضاً من الشرك الخفي، ولئلا تعتاد النفس الشرك وتقع في مهاوي الرياء،
(لذلك فإن هناك أربع مقامات يحتاج إليها العبد في محاسبة نفسه قبل العمل: