فيكون الباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه، والخوف من عقابه، لا تقرباً الى مخلوق، ولا قصداً في عرض من أعراض الدنيا الزائلة، ولهذا قال سبحانه: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:١٤٦]
(٢) الإقلاع عن المعصية:
فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة، أما إن عاود الذنب بعد التوبة الصحيحة، فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج الى توبته جديدة وهكذا.
(أيها العاصي ما أغدرك!
تسأل الله فيعطيك، فتستعين بما أعطاك على معصيته، أو أمنت أن يهتك سترك أو يغضب عليك غضبةً لا يرضى بعدها أبدا، كيف أمنت هذه الحالة ويمكن وقوعها لا محالة، أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا على الدين.
(إلى متى تستمر على عصيانه، وقد غذاك برزقه وإحسانه، أما خلقك بيده؟ أما نفخ فيك من روحه؟ أما علمت فعله بمن أطاعه، وأخذي لمن عصاه؟ أما تستحي تذكره في الشدائد وفي الرخاء تنساه؟ عين بصيرتك أعماها الهوى.
هذا حال من لم تؤثر فيه الموعظة، فإلى كم هذا التواني؟ إن تبت من ذنبك، آتيتك أماني.
اترك دارًا صفوها كدر، وآمالها أماني
(يا من يسير بعمره وقد تعدّى الحدود، إبك على معصيتك فلعلك مطرود. يا من عمره ينتهب وليس الماضي يعود، قد أسمعتك المواعظ من أرشادها نصحًا، وأخبرك الشيب أنك بالموت تقصد وتنحّا، وناداك لسان الاعتبار:{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا}[الانشقاق ٦].
[*] (قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: دخلت على جار لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يُغمى عليه مرة، ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكًا في دنياه، متخلفًا عن طاعة مولاه، فقلت له: يا أخي، تب إلى الله، وارجع عن غيّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك، ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك. فقال: هيهات هيهات! قد دنا ما هو آت، وأنا ميّت لا محالة، فيا أسفي على عمر أفنيته في البطالة. أردت أن أتوب مما جنيت، فسمعت هاتفًا يهتف من زاوية البيت: عاهدناك مرارًا فوجدناك غدارًا.
نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونستغفره من الذنوب المتقادمة.