للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه قد ينتفع بها إذا رجعت إليه؛ فلا يجوز إخفاؤها عنه؛ فإنه محض حقه؛ فيجب عليه أداؤه إليه.

بخلاف جنايات الأعراض من غيبة أو نميمة أو ما تعلق بالمحارم؛ فإنه ليس هناك شيء ينفعه يؤديه إليه إلا إضراره، وتهييجه فقط؛ فقياس أحدهما على الآخر من أفسد القياس.

والثاني: أنه إذا أعلمه بجنايات الأموال أو الأبدان لم تؤذه، ولم تُهجْ منه غضباً ولا عداوة، بل ربما سره ذلك وفرح به.

بخلاف إعلامه بما مزق به عرضه طول عمره ليلاً ونهاراً من أنواع القذف، والغيبة، والهجو؛ فاعتبار أحدهما على الآخر اعتبار فاسد (١).

(د) المظالم العامة: فإذا كانت المظلمة عامة، يتضرر منها عموم الناس فالتوبة في حق من يقوم بذلك أوجب؛ لأن ضررها متعدٍّ.

وذلك كحال من كان صحفياً يبث سمومه عبر الصحافة، أو كان ممثلاًِ يغري بالرذيلة من خلال تمثيله، أو كان مطرباً يؤدي الأغاني الخليعة الماجنة، أو كان أديباً أو كاتباً ينشر الخنا وما ينافي الفضيلة، أو كان مبتدعاً في دين الله ناشراً لبدعته، أو أياً كان ممن يستخدم مواهبه وإمكاناته لمحاربة الخير، ونشر الشر على عامة الناس؛ فالواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله، وتوبتهم تكون بالندم على ما فات، وإظهار الندم، وإعلان الخطأ، والرجوعِ عنه، والقيام بنشر الخير قدر المستطاع، والإكثار من فعل الطاعات، والحرص على هداية من تسببوا في إغوائهم، وتسخير الموهبة لخدمة الدين.

ومما يلحق بالمظالم العامة التي يجب أن يتاب منها بيع الخمور، والمخدرات، والدخان، وبيع الأفلام الهابطة، والمجلات الخليعة.

ولا يلزم من توبة هؤلاء أن يعلنوا بها، فقد لا يترتب على ذلك مصلحة، اللهم إلا إذا كان ذلك من باب أن يقتدي بهم غيرهم.

فالتوبة في حقهم أن يَدَعُوا ما قاموا به، وأن يحرصوا كل الحرص على إصلاح ما أفسدوه، وأن يقبلوا على الله، ويكثروا من الاستغفار وسائر الطاعات.

وبالجملة فكل مظلمة يستطيع الإنسان أن يتحلل منها فليفعل، وما لم يستطع فلا حرج عليه؛ فعفو الله مأمول، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.


(١) انظر مدارج السالكين١/ ٣٠٠_٣٠١، والوابل الصيب لابن القيم ص٢١٩، وانظر الأذكار للنووي ص٣٠٨_٣٠٩، وأريد أن أتوب ولكن، للشيخ محمد المنجد ص٤٢_٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>