للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(هـ) توبة القاتل المتعمد: هناك خلاف بين السلف في توبة القاتل، فهناك منهم من قال: لا توبة للقاتل، والجمهور يقولون: إن التوبة تأتي على كل ذنب، فكل ذنب يمكن التوبة منه، وتقبل (١).

والصواب إن شاء الله تعالى رأي الجمهور، وأن القاتل المتعمد له توبة؛ ذلك أنه عليه ـ والحالة هذه ـ ثلاثة حقوق:

١_ حق الله. ٢_ حق القتيل. ٣_ حق الورثة.

فحق الله يُقضى بالتوبة، وحق الورثة أن يُسَلِّم القاتل نفسه لهم؛ ليأخذوا حقهم إما بالقصاص، أو الدية، أو العفو.

وحق المقتول لا يمكن الوفاء به في الدنيا؛ فإن حسنت توبة القاتل، وقدم نفسه لأهل المقتول فإن الله يرفع عنه ذلك الحق، ويعوض المقتول يوم القيامة خيراً من عنده سبحانه.

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في هذه المسألة: فالصواب والله أعلم أن يقال: إذا تاب القاتل من حق الله، وسلم نفسه طوعاً إلى الوارث؛ ليستوفي منه حق موروثه سقط عنه الحقان، وبقي حق الموروث لا يضيعه الله، ويجعل من تمام مغفرته للقاتل تعويض المقتول؛ لأن مصيبته لم تنجبر بقتل قاتله.

والتوبة النصوح تهدم ما قبلها، فيعوض هذا عن مظلمته، ولا يعاقب هذا؛ لكمال توبته.

وصار هذا كالكافر المحارب لله ولرسوله إذا قتل مسلماً في الصف، ثم أسلم، وحسن إسلامه؛ فإن الله سبحانه يعوض هذا الشهيد المقتول، ويغفر للكافر بإسلامه، ولا يؤاخذه بقتل المسلم ظلماً؛ فإنَّ هَدْمَ التوبة لما قبلها كهدم الإسلام لما قبله.

وعلى هذا إذا أسلم نفسه، وانقاد، فعفا عنه الولي، وتاب القاتل توبة نصوحاً فالله تعالى يقبل توبته، ويعوض المقتول.

فهذا الذي يمكن أن يصل إليه نظر العالم واجتهاده، والحكم بعد ذلك لله (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [النمل: ٧٨] (٢).

مسألة: إذا كانت المظلمة بقدح في الآدمي بغيبة، أو بقذف، فهل يُشترط إعلامه؟

العلماء في ذلك على قولين كما يلي:

القول الأول: اشترطوا الإعلام، واحتجوا بالحديث الآتي:


(١) انظر تفصيل تلك الأقوال في معالم التنزيل للبغوي١/ ٤٦٥، وصحيح مسلم بشرح النووي ١٦/ ٢٣٦، وتفسير آيات أشكلت لابن تيمية ١/ ٣١٣_٣١٨، ومدارج السالكين١/ ٣٩٥_٤٠٢، وتفسير القرآن العظيم ١/ ٥٠٦_٥١٠.
(٢) مدارج السالكين١/ ٤٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>