للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظير هذا: هدايته لعبده قبل الاهتداء فيهتدي بهدايته فتوجب له تلك الهداية هداية أخرى يثيبه الله بها هداية على هدايته فإن من ثواب الهُدى: الهُدى بعده كما أن من عقوبة الضلالة: الضلالة بعدها قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} [محمد: ١٧] فهداهم أولا فاهتدوا فزادهم هدى ثانيا وعكسه في أهل الزيغ كقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} [الصف:٥] فهذه الإزاغة الثانية عقوبة لهم على زيغهم.

وهذا القدر من سر اسميه (الأول والآخر) فهو المعد وهو الممد ومنه السبب والمسبب وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه كما قال أعرف الخلق به: "وأعوذ بك منك" والعبد تواب والله تواب فتوبة العبد: رجوعه إلى سيده بعد الإباق وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق وقبول وإمداد.

(مبدأ التوبة ومنتهاها:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

و (التوبة) لها مبدأ ومنتهى فمبدؤها: الرجوع إلى الله بسلوك صراطه المستقيم الذي نصبه لعباده موصلا إلى رضوانه وأمرهم بسلوكه بقوله: تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُل} [الأنعام: ١٥٣]

وبقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض} [الشورى /٥٣،٥٢]

وبقوله: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: ٢٤].

ونهايتها: الرجوع إليه في المعاد وسلوك صراطه الذي نصبه موصلا إلى جنته فمن رجع إلى الله في هذه الدار بالتوبة: رجع إليه في المعاد بالثواب وهذا هو أحد التأويلات في قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} [الفرقان:٧١]

قال البغوي وغيره: "يتوب إلى الله متابا: يعود إليه بعد الموت متابا حسنا يفضل على غيره" فالتوبة الأولى وهي قوله: "ومن تاب" رجوع عن الشرك والثانية: رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة.

والتأويل الثاني: أن الجزاء متضمن معنى الأوامر والمعنى: ومن عزم على التوبة وأرادها فليجعل توبته إلى الله وحده ولوجهه خالصا لا لغيره.

التأويل الثالث: أن المراد لازم هذا المعنى وهو إشعار التائب وإعلامه بمن تاب إليه ورجع إليه والمعنى: فليعلم توبته إلى من؟ ورجوعه إلى من؟ فإنها إلى الله لا إلى غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>