للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظير هذا على أحد التأويلين قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧] أي: اعلم ما يترتب على من عصى أوامره ولم يبلغ رسالته.

والتأويل الرابع: أن التوبة تكون أولا بالقصد والعزم على فعلها ثم إذا قوي العزم وصار جازما: وجد به فعل التوبة فالتوبة الأولى: بالعزم والقصد لفعلها والثانية: بنفس إيقاع التوبة وإيجادها والمعنى: فمن تاب إلى الله قصدا ونية وعزما فتوبته إلى الله عملا وفعلا وهذا نظير قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

(علامات قبول التوبة:

للتوبة علامات تدل على صحتها وقبولها، ومن هذه العلامات:

(١) أن يكون العبد بعد التوبة خيراً مما كان قبلها:

وكل إنسان يستشعر ذلك من نفسه، فمن كان بعد التوبة مقبلاً على الله، عالي الهمة قوي العزيمة دلّ ذلك على صدق توبته وصحتها وقبولها.

(٢) ألا يزال الخوف من العودة الى الذنب مصاحباً له:

فإن العاقل لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر حتى يسمع الملائكة الموكلين بقبض روحه: أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:٣٠]، فعند ذلك يزول خوفه ويذهب قلقه.

(٣) أن يستعظم الجناية التي تصدر منه وإن كان قد تاب منها:

[*] قال ابن مسعود رضي الله عنه:

إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال له هكذا.

[*] وقال بعض السلف: لا تنظر الى صغر المعصية ولكن انظر الى من عصيت.

(٤) أن تحدث التوبة للعبد انكساراً في قلبه وذلاً وتواضعاً بين يدي ربه:

وليس هناك شئ أحب الى الله من أن يأتيه عبده منكسراً ذليلاً خاضعاً مخبتاً منيباً، رطب القلب بذكر الله، لا غرور، ولا عجب، ولا حب للمدح، ولا معايرة ولا احتقار للآخرين بذنوبهم. فمن لم يجد ذلك فليتهم توبته، وليرجع الى تصحيحها.

(٥) أن يحذر من أمر جوارحه:

<<  <  ج: ص:  >  >>