(والتفكر في أمور الآخرة من الأمور المهمة جداً، وحيث أننا ما رأينا الآخرة ولا عشنا فيها ولا عندنا الآن من ثمار الجنة شيء ولا سلاسل النار شيء، لكن عندنا من النصوص الشرعية ما يصف لنا بدقة بالغة كيف سيكون الحال يوم القيامة وهذه الأوصاف والتفاصيل من رحمة الله حتى نجد شيء نتفكر فيه، فلذلك كلما ازداد علمك بتفاصيل ما في اليوم الآخر كلما ازدادت حركة القلب في التفكر في هذه التفاصيل، ولذلك لما سأل ابن المبارك ذاك لما رآه يتفكر قال له أين بلغت؟ قال: الصراط .. ، التفكر كان يأخذ وقت طويل جداً عند العلماء والأولياء بل كانوا يقدمون التفكر على صلاة الليل ..
[*] قال يوسف بن أسباط:
قال لي سفيان بعد العشاء: ناولني المطهرة- الإناء الذي يتوضأ به- فناولته، فأخذها بيمينه ووضع يساره على يده فبقي مفكراً ونمت ثم قمت وقت الفجر فإذا المطهرة في يده كما هي .. فقلت هذا الفجر قد طلع .. فقال: لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الساعة ..
لماذا ذكر الله أشراط الساعة .. ؟
لتكون مجالاً للتفكر .. لا بد أن تشغلنا هذه القضايا دائماً و هذا من الخلل الموجود فينا أننا لا نتأمل .. المشكلة أن مجالات التفكر اليوم يا في الحرام والعشق والحب والغرام أو في الدنيا فقط .. طغت الحياة الدنيا على الناس .. فصار التفكير نادر في القضايا المهمة التي عليها مدار السعادة ..
[*] وجاء عن سفيان الثوري:
أنهم كانوا جلوساً في مجلس فانطفأ السراج فعمّت الظلمة الغرفة فبعد ذلك أشعلوه فوجدوا سفيان رحمه الله دموعه انهمرت كثيراً فقالوا مالك؟ قال: تذكرت القبر ..
فنظراً لأن قلوبهم حية ممكن أي مشهد أوحدث يصير في الواقع يربطه مباشرة بالآخرة والقبر ..
[*] وأحد السلف كان على تنور فرن خباز فوقف ينظر في النار التي في التنور .. ثم جعلت دموعه تنهمر فبكى بكاء حاراً .. فقيل له مالك؟ قال: "ذكرت النار" ..
[*] قال ابن عباس:" ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب" ..
[*] قال عمر بن عبد العزيز:" الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادات" ..
[*] وبكى عمر يوماً فسئل عن ذلك فقال:" فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إن فيها مواعظ لمن ادّّكر" ..
فمن رحمة الله أنه جعل لذات الدنيا مهما عظُمت فيها تنغيص وتكدير حتى لا يستسلم العباد إليها ومع ذلك يستسلمون إليها!