للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها الإخوة، «رياضة الخاصة أن تقطع كل ما يبعدك عن الله»، قطع ما يفرق قلبك عن الله بالجمع عليه، و الإقبال بكليتك عليه، هناك نقطة ثانية، أن تحكِّم العلم لا أن تحكِّم الحال، الإنسان أحيانا يكون له إقبال على الله شديد، يعيش من الغمرة من الحال المسعد، هذه الغمرة من الحال المسعد قد تحمله على أن يقول شيئا غير صحيح، فهو دائما يحكِّم العلم بالحال، ولا يحكّم الحال بالعلم الحال خطير، سمِّي حالا لأنه يحول، مثلا، هذا الذي فَقَدَ ناقته وهو في الصحراء فأيقن بالهلاك وبكى، تأمل قصته في الحديث الآتي:

((حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته أرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ".

حاله الشديد بالعثور على ناقته أخلّ توازنه فقال كلاماً كفراً، هناك من يلتفت إلى قلبه و يتصل بربه، فيشعر بنشوة كبيرة جدا، هذه تبعده عن العلم، فيحكِّم حاله لعلمه، و الأولى أن يحكِّم علمه بحاله.

والحال أنواع؛ هناك حال شيطاني، إذا دخل أحدهم بيتاً مثلاً و استطاع أن يأخذ منه مليون ليرة، الطريقة سهلة، و لم ينتبه أحد، فلو قعدت مع هذا السارق، تجد إشراقة في وجهه، لأنه حقق هدفه، فهل يُسمى هذا الحال راقياً، كل إنسان يحقق هدفاً و لو كان خسيساً يشعر بنشوة، أما نحن فعندنا العلم يتحكم في الحال، «العلم حكَم على الحال»، وليس الحال حكما على العلم، هناك أناس كثيرون أحوالهم تتحكم بعلمهم، تأخذه نشوة فيتكلم كلاما غير صحيح، قد يستعلي و قد يطعن في الآخرين، أساسه نشوة، فمن لوازم رياضة الخاصة أن علمه متحكم بحاله، و ليس العكس.

<<  <  ج: ص:  >  >>