للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمؤمن عندما يسير إلى الله له نظران: نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات عمله من العجب والرياء والاغترار بالعمل وهذا يفتح عليه باب الخوف من الله، وينقله بعد ذلك إلى سعة كرم الله وفضله وبره ومغفرة ذنوبه ويفتح له باب الرجاء، وهذا هو النظر الثاني ولهذا قيل في حد الرجاء وتعريفه هو النظر إلى سعة رحمة الله عز وجل ولابد من الموازنة بين الخوف والرجاء كما قال العلماء: ((العبد في سيره إلى الله كالطائر يطير بجناحين، جناحي الطائر إذا استويا استوى الطائر وتم طيرانه وإذا نقص أحدهما اختلّ نوعاً ما وإذا ذهب الجناحان صار الطائر في حدّ الموت))، ما هما الجناحان في سير العبد إلى ربه؟

الجواب: هما الخوف والرجاء.

(علامة الرجاء في العبد:

[*] سُئِل أحمد بن عاصم رحمه الله:

ما علامة الرجاء في العبد؟

قال: أن يكون إذا أحاط به الإحسان أُلهِم الشكر راجياً لتمام النعم عليه في الدنيا والآخرة وتمام عفوه عنه في الآخرة ..

وهنا علماء القلوب أصحاب النظر والتأمل في الأمور الإيمانية اختلفوا .. ، أي الرجاءين أعظم .. ؟ رجاء الثواب والأجر من المحسن؟ أو رجاء المغفرة من التائب المسيء؟!!!

فرجحت طائفة رجاء المحسن لقوة أسباب الرجاء معه، فعنده طاعات و أسبابه قوية فيرجو على حقّ، والأخرى رجحت رجاء المذنب لأن رجاءه من انكسار ومسكنة مقرون بذلة رؤية الذنب واستحضار المعصية خالص من العجب والاغترار بالعمل، والحاصل أن كلا القولين له حظ من النظر، فكلا الرجاءين محمود ولابد من تحصيلهما معاً ولا يستغنى بهذا عن هذا، لأن المسلم إما أن يكون في طاعة يرجو قبولها أو معصية يريد غفرانها ومحوها.

أسباب قوة الرجاء على حسب قوة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وغلبت رحمته غضبه، ولولا روح الرجاء لتعطلت عبودية القلب والجوارح وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً .. ، بل لولا روح الرجاء لما تحركت الجوارح بالطاعة ولولا ريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر إرادات العبد وعلى حسب المحبة وقوتها يكون الرجاء (العلاقة بين المحبة والرجاء) وكل محب راجٍ خائف بالضرورة فهو يرجو من يحبه أن يعطيه ما ينفعه ويخاف أن يسقط من عينه وأن يطرده وأن يبعده ويحتجب عنه لذلك خوف المحب شديد ورجاؤه عظيم، لكن هل إذا وصل إلى محبوبه ينتهي الرجاء أم لا .. ؟!! أم يشتد .. ؟!! وماذا يحصل له بالموت .. ؟!!

<<  <  ج: ص:  >  >>