للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبب تقدمه على كل الصحابة في العلم والفضل ملازمته للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد كان أدوم اجتماعاً به ليلاً ونهاراً، وسفراً وحضراً، وكان يسمر عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد العشاء، يتحدث معه في أمور المسلمين، دون غيره من أصحابه، وكان إذا استشار أصحابه أول من يتكلم أبو بكر في الشورى، وربما تكلم غيره، وربما لم يتكلم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتبع رأيه دون رأي من يخالفه (١)، وقد استعمله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أول حجة حجت من مدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلم المناسك أدق ما في العبادات، ولولا سعة علمه لم يستعمله، وكذلك الصلاة استخلفه عليها ولولا علمه لم يستخلفه ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة، وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ما روى فيها (٢) وعليه اعتمد الفقهاء وغيرهم في كتابة ما هو متقدم منسوخ، فدل على أنه أعلم بالسنة الناسخة، ولم يحفظ له قول يخالف فيه نصاً، وهذا يدل على غاية البراعة والعلم، وفي الجملة لا يعرف لأبي بكر مسألة في الشريعة غلط فيها، وقد عرف لغيرة مسائل كثيرة (٣)، وكان - رضي الله عنه - يقضي ويفتي بحضرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويقره، لقد تربى الصديق على يدي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحفظ كتاب الله تعالى وعمل به في حياته وتأمل فيه كثيراً وكان لا يتحدث بغير علم، فعندما سئل عن آية لايعرفها أجاب بقوله: أي أرض تسعني أو أي سماء تُظِلنُّي إذا قلت في كتاب الله مالم يُرد الله (٤) ومن أقواله التي تدل على تدبره وتفكره في القرآن الكريم قوله: (إن الله ذكر أهل الجنة، فذكرهم بأحسن أعمالهم وغفر لهم سيئها، فيقول الرجل: أين أنا من هؤلاء؟! يعني: حسنها، فيقول قائل: لست من هؤلاء، يعني: وهو منهم (٥)،


(١) ابو بكر الصديق، محمد مال الله، ص٣٣٤،٣٣٥.
(٢) البخاري رقم ١٤٤٨.
(٣) أبوبكر الصديق أفضل الصحابة وأحقهم بالخلافة، ص٦٠.
(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص١١٧ هذه الرواية فيها انقطاع.
(٥) الفتاوى لابن تيمية (٦/ ٢١٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>