للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فالدعاء من أعظم العبادة لله تعالى، لأن فيه إظهاراً للذل والفاقة والحاجة إلى الله عز وجل، وفيه خضوع وخشوع له سبحانه من عبده الذي يدعوه.

(فإذا علمت أن الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ، فالأصل فيها: الاِتِّباَعُ وَعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ، والاِتِّباَعُ في عِبَادَةِ الدُّعَاء يَجْمَعُ لك أجْرَيْنِ: أجْرُ الدُّعَاءِ، وأجْرُ الاِتِّباَعِ ٠

{تنبيه}: (الذي يتأمل في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الدعاء هو العبادة) يتضح له وضوحاً جلياً كيف أن الله تعالى كرمه فياضٌ وجوده متتابع حيث جعل سؤال عباده له لقضاء حوائجهم من أعظم العبادات وأجلِّ القربات فعظَّم الرغبة عندهم في الدعاء حتى قال (الدعاء هو العبادة)، بل وذم ترك الدعاء وعدَّه استكباراً عليه وهدده بأشدِ أنواع التهديد حيث قال تعالى: (وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ)

(والدعاءُ تتحقَّق به عبادةُ ربِّ العالمين؛ لأنَّه يتضمَّن تعلّقَ القلب بالله تعالى، والإخلاصَ له، وعدمَ الالتفات إلى غير الله عز وجل في جلبِ النفع ودفع الضرّ، ويتضمَّن الدعاءُ اليقينَ بأنّ الله قدير لا يُعجزه شيء، عليم لا يخفى عليه شيء، رحمن رحيم، حيّ قيّوم، جواد كريم، محسِن ذو المعروف الذي لا ينقطع أبداً، لا يُحَدُّ جودُه وكرمه، ولا ينتهي إحسانُه ومعروفه، ولا تنفد خزائن بركاته.

فالدعاء استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة من ملهوف برب قادر، وتوجه ورجاءٌ إلى مصرِّفِ الكون ومدبِّر الأمر، لِيُزيلَ عِلَّة، أو يَرْفَعَ مِحْنَة، أو يَكْشِفَ كُرْبَة، أو يُحَقِّقَ رجاءً أو رَغْبَة ... قائلاً

يا أمان الخائفين سبحانك ما أحلمك على من عصاك وما أقربك ممن دعاك وما أعطفك على من سألك وما أرأفك بمن أمَلك، من الذي سألك فحرمته، ومن الذي فر إليك فطردته أو لجأ إليك فأسلمته، أنت ملاذنا ومنجانا فلا نعول إلا عليك ولا نفر من خلقك ومنك إلا إليك يا أمان الخائفين.

إن المؤمن حين يستنفذ الأسبابَ في عمل مشروع، ويستعصي عليه الأمرُ، والأسبابُ لا تُوصِلُهُ إلى ما يسْعَى من أجْلِهِ، ينقلُ الأمر كلَّهُ منْ قدُراتِهِ هو إلى قدرة الله، ويفزَعُ إلى الله تعالى واهبِ الأسباب ويقولُ: يا رب، ويدعو ... فالأسباب إذا تخلَّتْ فلن يتخلى عنه الله ... فهو سبحانه يجيب دعوة المضطرين ...

<<  <  ج: ص:  >  >>