(مُنِيبًا) أَيْ رَاجِعًا قِيلَ التَّوْبَةُ رُجُوعٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَالْإِنَابَةُ مِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى الذِّكْرِ وَالْفِكْرَةِ، وَالْأَوْبَةُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ وَالْمُشَاهَدَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي قَوْلِهِ أَوَّاهًا مُنِيبًا بِصِلَةٍ وَاحِدَةٍ لِكَوْنِ الْإِنَابَةِ لَازِمَةً لِلتَّأَوُّهِ وَرَدِيفًا لَهُ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
(رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي) أَيْ بِجَعْلِهَا صَحِيحَةً بِشَرَائِطِهَا وَاسْتِجْمَاعِ آدَابِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتَخَلَّفُ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ.
(وَاغْسِلْ حَوْبَتِي) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُضَمُّ أَيِ امْحُ ذَنْبِي.
(وَأَجِبْ دَعْوَتِي) أَيْ دُعَائِي.
(وَثَبِّتْ حُجَّتِي) أَيْ عَلَى أَعْدَائِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى وَثَبِّتْ قَوْلِي وَتَصْدِيقِي فِي الدُّنْيَا وَعِنْدَ جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ.
(وَسَدِّدْ لِسَانِي) أَيْ صَوِّبْهُ وَقَوِّمْهُ حَتَّى لَا يَنْطِقَ إِلَّا بِالصِّدْقِ وَلَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا بِالْحَقِّ.
(وَاهْدِ قَلْبِي) أَيْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
(وَاسْلُلْ) بِضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى أَيْ أَخْرِجْ مِنْ سَلَّ السَّيْفَ إِذَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْغِمْدِ
(سَخِيمَةَ صَدْرِي) أَيْ غِشَّهُ وَغِلَّهُ وَحِقْدَهُ.
(أثر الإخبات في بناء شخصية المسلم:
الأثر الأول: أن الإخبات يعصم المسلم ويحفظه من الوقوع في المعاصي، والميل إلى الشهوات. وذلك أن العصمة تغلب الشهوة وتقهرها، وتستوفي جميع أجزائها، فإذا استوفت العصمة جميع أجزاء الشهوة، فذلك دليل على إخباته ودخوله في مقام الطمأنينة، ونزوله أول منازلها.
وأمر آخر: أن المسلم إن استطاع أن يحمي نفسه من الوقوع في المعاصي، ويعصم نفسه من الميل إلى الشهوات، كان قريبًا من الله ورسوله، بعيدًا عن الشيطان وأعوانه. ويتحقق فيه قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٣]