{تنبيه}: (إن هذا التصرف من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعدُّ مثلاً أعلى ونبراساً يُحْتَذى به في الشعور بالمسؤولية , والتحري الدقيق في القضايا المالية , والمبادرة إلى تنفيذ التكاليف الشرعية وإن لم يكن وقت تنفيذها محددا خشية النسيان أو حضور الأجل.
وهذا لون من ألوان التربية النبوية المؤثرة حيث إن خروج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المسجد بهذه الصورة أثار عجب الصحابة وتساؤلهم فتهيأت نفوسهم لاستقبال هذا التوجيه العملي نحو الاهتمام بحقوق المسلمين والإسراع في إيصالها إلى مستحقيها.
(٢) (حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمرة في الطريق، قال: (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها).
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إني لأنقلبُ إلى أهلي، فأجدُ التمرة ساقطةً على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)
هذا مثال على شدة ورع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعِظَم خشيته من الله تعالى، وقد حرَّم الله تعالى الصدقة على بني هاشم, وبهذا الورع الشديد والخشية البالغة كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدوة عليا لأمته في ذلك.
(صورٌ مشرقة من ورع أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(حديث أبي قتادة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا كان ببعض طريق مكة، تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، فرأى حمارا وحشيا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا، فسألهم رمحه فأبوا، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بعض، فلما أدركوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألوه عن ذلك، قال: (إنما هي طعمة أطعمكموها الله).
إنما هي طعمة اطعمكموها الله: وذلك لأنكم لم تشيروا إلى الصيد وأنتم حرم ولا عاونتم عليه بشيء، لأن ذلك لا يجوز فلا يجوز للمحرم قتل الصيد إلا أن صال عليه فقتله دفعا فيجوز ولا ضمان عليه، وكذلك فإن أبي قتادة لم يصطاد الصيد من أجل المحرم فإن ذلك لا يجوز بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:
(حديث الصعب بن جثامة الليثي في الصحيحين) أنه أهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودَّان فردَّه عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنَّا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم.