«فالنقلة همتهم الرواية والعلماء همتهم الدراية والعارفون همتهم الرعاية» وقد ذم الله من لم يرع ما اختاره وابتدعه من الرهبانية حق رعايته فقال تعالى {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} رهبانية منصوب بابتدعوها على الاشتغال إما بنفس الفعل المذكور على قول الكوفيين وإما بمقدر محذوف مفسر بهذا المذكور على قول البصريين أي وابتدعوا رهبانية وليس منصوبا بوقوع الجعل عليه فالوقف التام عند قوله: ورحمة، ثم يبتدىء ورهبانية ابتدعوها أي لم نشرعها لهم بل هم ابتدعوها من عند أنفسهم ولم نكتبها عليهم.
(ثم قال رحمه الله تعالى:
والقصد: أن الله سبحانه وتعالى ذم من لم يرع قُرْبَةً ابتدعها لله تعالى حق رعايتها فكيف بمن لم يرع قربة شرعها الله ورضيها لعباده وأذن بها وحث عليها. أهـ
لأنّ الله ما كتبها عليهم، لم يستطيعوا رعايتها من هو الخبير؟ الله جلّ جلاله، إذا سمَحَ الله لك بالزواج، وحرمْت أنت نفسكَ من الزواج زهدًا وورعًا، أنت تحرَّكْتَ حركة بِخِلاف فِطْرتك التي فُطِرْت عليها، لن تستطيع رِعايَة هذا المسْلكَ الذي ابْتَدَعْتهُ، لأنَّهم ابْتَدَعوها ولم تَرِد في منهجهم إذًا لن يستطيعوا رعايتها حقّ الرعاية، ما كتبناها عليهم هم حينما كتَبُوها على أنفسهم اِدَّعَوا أنَّه ابْتِغاء رِضْوان الله، ولأنَّها لم تُكْتَب عليهم لمْ يستطيعوا رعايتها، فما رعَوْها حقّ رعايتها.
وأجْمَل ما قيل في هذا المقام قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له»، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (