للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(حديث أنس الثابت في الصحيحين) جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسألون عن عبادة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أخبروا كأنهم تقاُّلوها وقالوا: أين نحن من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أما أنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر أبداً، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.

في هذا المعنى الدقيق، الله جلّ جلاله ذمّ من لمْ يرْعَ قُرْبةً ابْتَدَعها لله تعالى، لم يرْعها حقّ رعايتها، فكيف بِمَن لم يرْعَ قُرْبةً شرعها الله؟ القُربة التي لم يُشَرِّعها الله عاتب الذين ابْتَدَعوها أنَّهم لم يرْعَوْها حق رعايتها، فكيف بالذي لا يرعى عبادة شرعها الله عز وجل، وهي متوافقةٌ مع طبْعِهِ، ومع طاقته وقدرته وإمكاناته.

الآن من أركان الرِّعاية رعايَة الأعمال وفْق النَّمَط الأوْسط مع اسْتصغارها والقيام بها من غير نظرٍ إليها، ثلاث صفات؛ رِعايَة الأعمال أن تأخذ الوضع المعتدل منها، فالإفراط تطرّف، والتفريط تطرّف، وأن تُلقي بِنَفسِكَ إلى التهلكة تهوّر، وأن تجمد عن ملاقاة العدوّ جبْنٌ، والوضْع الوسَطِيّ أن تكون شجاعًا بِتَعَقُّل، أن تمْسِكَ المال بُخلاً، وأن تُلْقِيَهُ جزافًا إسرافًا، أما الوضْع الوسطي كما قال تعالى: (وَالّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان: ٦٧]

أوّل شيء رعاية الأعمال وفْق النَّمَط الأوْسَط، وقالوا الفضيلة وسَطٌ بين طرفين، مع اسْتصغارها والقيام بها من غير نظرٍ إليها، الإنسان إذا رأى عملهُ كبيرًا حجَبَهُ عن الله عز وجل، «لو كان لك عملٌ كالجبال يجب أن ترى أنّ الله تفضَّل به عليك، ولولا أنّ الله عز وجل تفضَّل به عليك لأخذْت ولم تُعْطِ»

(فإذا كانت الهداية إلى الله مصروفة، والاستقامة على مشيئته موقوفة

والعاقبة مغيبة، والإرادة غير مغالبة

فلا تعجبي بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قربك

فإن ذلك وإن كان من **بك فإنه من خلق ربك وفضله الدار عليك وخيره

فمهما افتخرت بذلك كنت كالمفتخرة بمتاع غيرها

وربما سُلب عنك فعاد قلبك من الخير أخلى من جوف البعير

<<  <  ج: ص:  >  >>